IMLebanon

بيروت انتخابياً: إنسوا سعد الحريري؟

 

 

أرخى وضع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المربك سياسياً واقتصادياً بظلاله على تياره وعلى وضع السنة ككل في بيروت والمناطق. في كل مرة يكرر الحريري فعلته ذاتها. يغادر بلا حسّ او خبر ويَعِد سائليه بالعودة بينما يطول غيابه ويقع تياره في حيرة من أمره، ويقع ضحية الشائعات التي تقول ان رئيس تياره ممنوع من العودة الى المعترك السياسي قبل تسوية أموره الاقتصادية وإعادة فتح ابواب المملكة السعودية امامه. وهنا تقع القطبة المخفية. كأن الحريري لم يقتنع بعد ان السعودية شطبت لبنان من جدول اهتماماتها ولم تعد الحريرية السياسية مدخلها للعب دور في السياسة اللبنانية.

 

ينصح أحد الذين التقوا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مؤخراً عدم تصديق كل ما يصدر نقلاً عنه والمتعلق بالانتخابات النيابية. فرئيس تيار «المستقبل» لا يزال يلتزم الصمت ويكتفي بالقول لمستفسريه «سأعلن موقفي فور الوصول الى بيروت». لكن بيروت التي يعد الحريري منذ فترة طويلة بالعودة اليها لم تعد بيروت العاصمة بالمعنى المتعارف عليه. لا اسواق تجارية تجمع ناسها ولا محطات او مقاهيَ يرتادها الرواد بل زواريب ومناطق مقطعة الاوصال تفصل بينها «بلوكات» من الاسمنت.

 

بات مؤكداً ان انتخابات بيروت ستخلو من الحريرية السياسية، فيما يسود سنَّتها حال من الارباك لم يشهدوه منذ عهد الحريري الاب. قبل مغادرته أعدّ الحريري فريق عمل وخصص له مكتباً في بيت الوسط وأوكل اليه الشروع في ترتيب تيار «المستقبل» استعداداً للانتخابات النيابية. وبالفعل أعد هؤلاء برنامج عمل وبدأوا استقبال المسؤولين في المناطق قبل ان يغادر دون ايداع علم او خبر، وترك المكلفين بالمهام رهينة الحيرة وجوابهم للسائلين واحد «لا نعرف متى يعود ولا نعرف ما اذا كان سيترشح». لا يزال هؤلاء يراهنون على احتمال عودته في توقيت ما يقرره بنفسه. داخل «المستقبل» جناحان واحد يستبعد مغادرة الحريري معتركه السياسي الانتخابي وآخر بات يتعاطى على اساس انه غير موجود وراح يتدبر أموره الانتخابية بنفسه.

 

داخل تيار «المستقبل» قلق وامتعاض وخلافات على ادارة تائهة داخل العائلة الواحدة. إنزوى الأساس وبقي الفرع حاضراً يستثمر في مجد ماضيه. في آخر زيارة للحريري عاد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في حيرة من أمره. لم يخرج بكلمة واضحة من الحريري حول الانتخابات النيابية فاقترح عليه انشاء هيئة سياسية عليا يمكن ان تدير شؤون تيار «المستقبل» والواقع السني الى حين عودته. تلقى الحريري الاقتراح واعداً بالاجابة ولم يلتزم بما وعد.

 

من دون الحريري ستتوزع اصوات سنة بيروت على مرشحين عدة وتنقسم بين فؤاد مخزومي والاحباش والجماعة الاسلامية ومستقلين. يحل الناخب السني ثانياً في العاصمة بعد الناخب الشيعي الذي سيكون مرتاحاً على وضعه وسيكون له مرشحه السني في العاصمة.

 

أما حلفاء الحريري الاساسيون اي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب «الاشتراكي» وليد جنبلاط فصارا على بيّنة من غيابه عن المعترك السياسي. وها هو النائب وائل ابو فاعور يصول ويجول على سنة المناطق طالباً الرضى ويتصرف وكأن سعد الحريري غير موجود في محاولة لترتيب تحالفاته.

 

أما الثنائي الشيعي فكأنه لا يريد تصديق الخبر ولا يزال يراهن على عودة الحريري لوجود متسع من الوقت الى حين موعد الانتخابات النيابية ويخلق الله ما لا تعلمون.

 

فيما تأقلمت «القوات اللبنانية» ومنذ زمن بعيد مع غياب الحريري وصارت تتصرف على اساسه وتعمل بجهد، وتعد نفسها لوراثة نوابه السنة في اكثر من منطقة خصوصاً في عكار والبقاع.

 

وليس وضع سنة البقاع افضل، مع فارق وجود شخصيات مستقلة لها ثقلها وحضورها الانتخابي في المنطقة وقادرة على تدبر شؤونها، ولكن هل ستبقى ممثلة لتيار «المستقبل» بعد ان تترشح باسمه وتوهم الناس انها مدعومة من الحريري مباشرة؟ هنا ايضاً مستبعد في حال لم يترشح ان يدعم الحريري لوائح تمثل تياره لحاجته حينذاك الى اموال لتأمين مستلزمات العملية الانتخابية. ولو تسنى له وتوافرت تلك الاموال فالأجدى ان يترشح بنفسه من ان يدعم محسوبين عليه.

 

عدم اعلان الحريري صراحة انسحابه من المشهد الانتخابي يربك ايضاً الخبراء في الشأن الانتخابي. حتى هؤلاء غير قادرين على تصور بيروت بلا الحريري وان الاشرفية صارت بوابة بولا يعقوبيان، فيما المجتمع المدني لم يحسم خياراته ولا اسماء مرشحيه بعد، ومشكلته غياب الاسماء التي لها حضورها على الارض. ليس السؤال هنا، ماذا فعل الحريري بنفسه؟ او ماذا فعلوا به؟ فالاجابة على السؤال نتيجتها واحدة عند العالمين بخفاياه «إنسوا سعد الحريري».