كل الأجواء والإتصالات المكثفة التي نشهدها تحاول تعبيد الطريق أمام عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. يسجل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حماسه وسعيه الدؤوب لمساعدة لبنان وتأمين تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن. إتصالان أعلن عنهما كفيلان بالخروج بانطباع ان لبنان أصبح تحت رعاية المظلة الدولية للمساعدة بتشكيل حكومة. أما الخطوة الثانية فستكون حكماً مساعدة اي حكومة ساهم بتشكيلها المجتمع الدولي للخروج من الازمة المالية. وأبلغ دليل على ذلك الاعلان عن إتصال هاتفي بين ماكرون والرئيس الإيراني حسن روحاني حول أوضاع لبنان، كما أجرى الرئيس الفرنسي إتصالاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبحث معه التطورات في لبنان. ولروسيا موقف عبر عنه سفيرها في لبنان والذي قال في حديث متلفز ان بلاده تدعم مجيء سعد الحريري على رأس حكومة وحدة وطنية.
ومحلياً، عادت محركات الوزير علي حسن خليل والحاج حسين الخليل تعمل بإتجاه بيت الوسط. وبدا ان الحريري هو الخيار الأوحد مبدئياً لرئاسة الحكومة. كل الأفرقاء الاساسيين متحمسون لعودته ولكل اعتباراته. يوم فاتحه رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “الإشتراكي” وليد جنبلاط بالإستقالة من مجلس النواب كان جوابه “شو بكم مستعجلين وليه بدنا نحرق المراحل”. بعدها علّل الحريري أسباب تمنعه عن الإستقالة بالافصاح عن رغبة عبر عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعودته الى رئاسة الحكومة. لم يمانع العودة لكن شرط ان تكون عودة ناجحة الى السلطة. ولكن رغم كل الزخم المحلي والدولي فإن القرار السعودي لم يتضح بعد. تقول مصادر متابعة ان الأولوية اليوم هي لشكل الحكومة قبل الدخول في الأسماء، واي حكومة ستبصر النور. الجاري حالياً تدوير زوايا وإلتفاف على التسميات لصيغة ترضي كل الأطراف. يحاول ماكرون تسهيل عودة الحريري وهو إستمر على تواصله مع المسؤولين اللبنانيين وأجرى أمس إتصالاً مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي أكد عزمه على تسهيل تشكيل الحكومة وعدم رغبته في المشاركة في أي حكومة.
يلمس من يلتقي الحريري إستعداده للعودة الى رئاسة الحكومة. إختبر الرجل البقاء خارج السلطة وحتى وقت ليس ببعيد كان ثمة من يهمس له أن قرارك بالاستقالة لم يكن موفقاً، ولا تصريحه برفض العودة الى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس ميشال عون. تغيرت الظروف والوقائع ما يدفع الحريري لإعادة النظر بقراره لا سيما وان عهد عون لا يزال امامه متسع من الوقت، فهل يمكنه ان يبقى خارج السلطة كل تلك الفترة. في المقابل اختبر الآخرون معنى ان يكون الحريري خارج السلطة بالنسبة للطائفة السنية وكيف ان حضوره لا يزال وازناً، وإستحالة إيجاد من يجرؤ على تولي المسؤولية غيره وتجربة دياب ماثلة أمام الجميع. ومن أضعف الاحتمالات ان يذهب الحريري لتسمية بديل عنه اللهم الا إذا وجد ان السعودية خرجت على التمني الفرنسي بذلك. ولذا سنجد تعبيداً محلياً لعودته وفي المقدمة “حزب الله” الذي لن يضره تمثيل حكومي مشابه لتمثيله الحالي، خصوصاً لناحية تجربة وزير الصحة حمد حسن.
قبل يومين غرد مستشار الحريري الزميل حسين الوجه ان رئيس الحكومة السابق غير معني بالتحليلات والأخبار المتداولة بشأن عودته الى رئاسة الحكومة. إشارة فسرها مقربون ان الحريري لا يزال على موقفه السابق يوم إستقال من الحكومة في 17 تشرين الماضي. يومها كان شرطه الأساسي عدم عودة باسيل الى الحكومة وليس رفض تمثيل “حزب الله”. بالنسبة الى الحريري لم تعد القصة تتعلق برأيه الشخصي حول ترؤسه الحكومة من عدمه، بل بتلك الشروط التي يضعها المجتمع الدولي ويجب أن تلتزم بها الحكومة المقبلة، ما يعني ان يكون بمقدور الحكومة ورئيسها تنفيذ ما يطلب منهما من إصلاحات. المسألة المتعلقة بالحكومة لم تعد مسألة أحجام وتمثيل بل تشكيل حكومة قادرة على العمل والمواجهة. ولذا فمن الطبيعي ان يعتبر الحريري ان قواعد العمل ما قبل 17 تشرين لم تعد تجدي نفعاً. والغمز هنا يكون من خلال التركيز على صلاحيات رئيس الحكومة والحؤول دون العودة إلى مصادرتها والحد من قدرته على إتخاذ القرار داخل مجلس الوزراء.
هي مرحلة تنازلات يجب ان يلتقي في ضوئها الجميع في ساحة مشتركة شرط ان يكون ذلك قبيل عودة ماكرون الى لبنان اوائل الشهر المقبل. ولكن هذا كله رهن بما سيحمله المبعوث الأميركي دايفد هيل إلى اللبنانيين.