IMLebanon

القوى السُّنيّة وتجربة الاعتكاف المسيحيّ

 

 

انتظار قرار الرئيس سعد الحريري يوازيه الكلام عن موقع الزعامة السنية في المرحلة الراهنة، في حال انسحبت قيادات الصف الأول من خوض الانتخابات

 

لن تصل القوى السنية إلى ما فعلته القوى المسيحية حين قاطعت الانتخابات عام 1992. لكن مقاربة المشهد السياسي السني لن تكون سهلة، قياساً إلى مجموعة عوامل أثّرت سلباً على الساحة السنية. فبعد عودة الرئيس سعد الحريري، وإلى أن يعلن حقيقة موقفه من الانتخابات النيابية، وصولاً إلى مرحلة تقاسم القوى السياسية السنية الشارع السني، ثمّة مفارقات كثيرة وانتظارات أكثر.

 

لعلها صدفة أن يعلن الرئيس تمام سلام عزوفه عن الترشح، يوم عودة الحريري إلى بيروت. لكنّ الصدف في السياسة ليست كثيرة ولا بريئة، خصوصاً حين يطوي ابن إحدى كبريات العائلات البيروتية مرحلة سياسية مهمة، في توقيت لافت ومعبّر. أحد المستقلّين الذين وقفوا في وجه الرئيس رفيق الحريري، وخسر أمامه عام 2000، ومن ثم تحالف مع نجله الرئيس سعد الحريري، وأحد أركان نادي رؤساء الحكومات السابقين، ينسحب من السباق الانتخابي يوم عاد الحريري إلى بيروت في انتظار إعلان قراره النهائي. هذا التلازم يعطي للواقع السني أبعاداً أخرى، من الشمال وطرابلس إلى بيروت وصيدا والبقاع، حيث تتنوّع المشاهد الانتخابية. ورغم أن لكل من هذه المناطق خصوصيتها السنية، إلا أن ما يجمع بينها هو أن الكلام عنها يبدو متعثراً في ضوء انتظار القوى السياسية، سواء الحليفة للحريري أو الصديقة أو من تخاصمه، لأن لا أحد يملك حقيقةً القدرة على رسم أيّ مشهد انتخابي قبل موقف الحريري النهائي. فقرار الاعتكاف لن يكون متعلّقاً بالانتخابات التي قد تطير، وهنا خطورته، لأنه حينها لن يبقى مرتبطاً بها، بل يتحول إلى مناسبة لتظهير الواقع السني وتأثيراته في كل المسارات والاستحقاقات اللاحقة.

ما يمكن الكلام عنه، والأقرب إلى الواقع، هو أن الزعامات السنية تعيش حالة سبق أن عاشتها القيادات المسيحية في مرحلة التسعينيات وما تلاها، قبل أن تعود بعد سنوات لتمسك زمام أحزابها، وتحاول إبعاد الشخصيات التي صعدت بقوة في الوسط السياسي. في الواقع السني اليوم، تظهر قيادات الصف الأول، وكأنها تنسحب من السباق لمصلحة شخصيات من الصف الثاني أو من دائرة المقرّبين العائلية والسياسية، في انتظار جلاء لمستقبل لبنان يساعد أكثر في التعاطي مع المرحلة المقبلة.

 

تبدو قيادات الصف الأول وكأنها تنسحب من السباق لمصلحة شخصيات من الصف الثاني

 

 

لكنّ الطبيعة لا تحب الفراغ، وتجربة المسيحيين مع الانكفاء لم تكن تجربة مشجّعة. اليوم ثمّة شخصيات سياسية مسيحية تبقى تقاتل وتناور وتترشّح وتخسر، لكنها تبقى صامدة في العمل السياسي، ولا تتراجع تحت سطوة القيادات السياسية، في حين أن من شأن انكفاء زعامات سنية، في ظل مرحلة سياسية غير واضحة، ومليئة بالتحديات التي تتعلق بمستقبل النظام اللبناني، أن يثير بلبلة داخل الصف السني، إذ إنها ليست مجرد انكفاء مرحلي، سبق أن عاشته بعض الزعامات السياسية، قبل أن تطل مجدداً بزخم وحضور أقوى.

فصعود شخصيات سنية من طرابلس إلى بيروت وصيدا، في هذه المرحلة تحديداً يحتاج إلى عناوين واضحة وكثير من التحالفات ومن خريطة طريق تغطي سياسياً ومالياً، كل ما يحتاج إليه الشارع المتخبّط منذ سنوات بين عناوين سياسية وهموم اجتماعية. والخروج من عباءة الحريري الابن، للدخول في اصطفافات داخل عائلة الحريري أو قيادات في تيار المستقبل، من شأنه أن ينذر بصعوبات أكثر بالنسبة إلى الشارع الذي لن تستطيع أن تجمعه حينها وجهة سياسية واحدة، قادرة في الوقت الراهن وخلال مدة قصيرة على تزعّم الحالة السنية تحت راية بديل الحريري مهما كان اسمه. وهنا مكان الأسئلة عن دور النائبة بهية الحريري، أو الرئيس فؤاد السنيورة، أو قبل طرح السؤال عن دور بهاء الحريري في كل ما سيجري في الانتخابات، ودور قيادات مناطقية في الحلول مجتمعين في خريطة ترشيحات متساوية. ومشكلة قيادات المناطق، أنها لن تتمكّن في أشهر، من أن تصبح حالة شعبية عامة، تشمل المناطق السنية. أما في حالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فلها خصوصية شمالية، ممزوجة مع تقاطع مع نادي رؤساء الحكومات، وقوى 8 آذار، لكنّ تأثيره لا يزال محصوراً شمالاً، وأي قرار يتخذه بتوسيع رقعة نفوذه لن يكون سهلاً، من دون القفز فوق ساحة المستقبل، خصوصاً أنه لا ينطلق من قاعدة حزبية عريضة، كتيار المستقبل لا يزال رغم ضعف إمكاناته وتخبّط بعض شخصياته، قادراً على أن يستنهض جمهوراً في حال توافرت إمكانات الشخص – الزعيم، والموارد المالية.

واقع الحالة السنية اليوم، خصوصاً في غياب راعٍ إقليمي مباشر، وواضح التوجّهات، يعيد تظهير مقاربة الانتخابات من زاوية وضع اليد على زعامتها، أو تركها تتخبّط في تحالفات متنوّعة، في غياب مشروع سياسي واضح. وهي في الحالتين ستترك تأثيرات مباشرة، سواء أكانت القضية قضية انتخابات فحسب، أم رسم مستقبل القوى السياسية وزعاماتها، في لعب دور محوري في إعادة تزخيم واقعها المتفسّخ، وفي المساهمة في تقرير ما يُكتب للبنان.