Site icon IMLebanon

الحريري لو اعتكف

 

 

ينسف عدم ترشيح سعد الحريري نفسه الى الانتخابات النيابية نظريةً سادت منذ صعود عدد من زعماء الطوائف والمذاهب بقوة الأمر الواقع الميليشيوي أو التحريضي، وتربعهم سعداء على رأس طوائفهم ومذاهبهم وتحويلهم الدولة الى دويلات، ومفاد تلك النظرية أن القوي في طائفته يجب أن يأخذ المنصب الأول المخصص لها في النظام.

 

وبمقتضىاها يمسك الرئيس نبيه بري منذ 30 سنة بكرسي رئاسة مجلس النواب، وعملاً بها عُيِّن رئيس الجمهورية ميشال عون، الا ان سياق هذه النظرية كان ينقطع عندما يتصل الأمر برئاسة الحكومة. فسعد الحريري الأقوى في طائفته منعته ايديولوجية الأقوياء من الحكم والتمتع بمزايا نظام الأقوى. مرةً قطعت له تذكرة سفر في إتجاه واحد، ومرةً حرمته من تشكيل الحكومة ومرّات حولت مرحلة التشكيل الى جلجلة عذاب طويلة.

 

تفكير الحريري بعدم الترشح قد يُسهم في نسف مبدأ «الأقوى» واجتهاداته، ويضع الآخرين في مواجهة التخلي عنه، وفي ذلك حسنات كثيرة لتطور النظام السياسي من جهة، ومنعاً لحرج قد يقع فيه لاحقاً أبطال التنظيرة في تحالف الحكم الثنائي.

 

سيصبح ركنا التحالف من دون كومبارس على مسرح حكمهم، ولو أكملوا في سردية الأقوى سيكون عليهم استبدال بري بمحمد رعد وميشال عون بالحكيم، وهذا ما لا نعتقد أنهم يتحملونه أو يسعون إليه.

 

غير ان ذلك ليس الصورة الكاملة. فعدم ترشح الحريري قد يعني أيضاً عدم ثقته بإمكانية إحداث تغيير وبممارسة الحكم حتى لو فاز مع من يتفاهم معهم بالأكثرية. وهذا على كل حال ما لوّح به «حزب الله» ومارسه مع حلفائه مراراً، وعاشه الحريري فعلياً منذ انتخابات 2009… وعدم الترشح قد يعني كذلك أن الحريري ليس واثقاً في الأصل بحصول الانتخابات نفسها…

 

مهما تكن الدوافع، وبعيداً من «حرص» المنظومة على «ترشح» سعد الحريري، فإن هذه الخطوة، إقداماً أو إدباراً تبقى ملكاً له وخياراً خاصاً به، لكن ذلك لا يُعفيه من أخذ أمرين بعين الإعتبار:

 

الأول، ضرورة مصارحة الأنصار واللبنانيين عموماً بحقيقة دوافع أية خطوة يتخذها.

 

والثاني، أن هناك تياراً سياسياً واسع الإنتشار لا بد من مشاركته في المعركة الانتخابية، وهو سيشارك من دون شك.

 

فقرار رئيسه الشخصي يصعب أن يكون قراراً عاماً إلا إذا كان الهدف الانسحاب كلياً من العمل السياسي، وهنا يبدأ الخطر ليس على الانتخابات فقط، وإنما على صحة التمثيل والتوازنات العامة.