وافتقاداً للإعتدال السنّي اصطفاف «نادي الرؤساء» وميقاتي وسلام الى جانبه يعني شبه مٌقاطعة سنيّة… وإمكانية «تطيير الإنتخابات» ؟
ينتظر لبنان أن يبدأ، بدءاً من اليوم الإثنين، إعلان المواقف الداخلية من التحالفات الإنتخابية، وعلى رأسها موقف رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري الذي روّجت مصادره لقرار إعلانه عن العزوف عن الترشّح شخصياً للإنتخابات النيابية المقبلة، فضلاً عن عدم ترشيحه أي أحد من «التيّار»، بل ترك الخيار للمستقبليين بالترشّح بشكل شخصي في جميع الدوائر، إمّا عبر لوائح خاصّة، أو بالإنضمام الى اللوائح التي ينسجمون فيها مع المرشّحين الآخرين. علماً بأنّ مثل هذا القرار، قد لا يُلغي إمكانية أن يُجري بعض التحالفات الإنتخابية لدعم مرشحي «المستقبل» من تحت الطاولة ربما، وبعض اللوائح التي سينضمّ إليها «المرشّحون المستقبليون»، متى دعت الحاجة الى تأمين الحاصل الإنتخابي.
فقرار الحريري، وتحالفه الإنتخابي يُشكّل حالياً العنوان الأبرز، على ما أكّدت مصادر سياسية مطّلعة على الساحة الداخلية، بعد عودته من الخارج واستئناف نشاطه السياسي، سيما وأنّ الحلفاء والأخصام ينتظرون قراره النهائي لمعرفة كيف ستكون الإصطفافات السياسية في الإنتخابات المقبلة،ويُنتظر أن يُعلنه شخصياً قبل البناء على التسريبات الإعلامية ليُبنى على الشيء مقتضاه..
ولكن بما أنّ الكفّة تميل الى عدم خوض الحريري وتيّاره الإنتخابات حتى الساعة، تجد المصادر بأنّه إذا اتخذ الحريري فعلاً قرار العزوف عن الترشّح شخصياً، بعد أن كان نائباً في المجلس النيابي عن دائرة بيروت الثانية، فضلاً عن عدم ترشيح أحد من «تيّار المستقبل»، أي لن يكون لتيّاره أي مرشّحين مباشرين، بل غير مباشرين،فإنّ قراره هذا سيترك فراغاً واضحاً على الساحة رغم وجود مرشّحين سنّة من جميع الأطراف السياسية في الدوائر الإنتخابية الـ 15 التي ستشهد الإنتخابات في أيّار المقبل.
وهذا الفراغ سيفسح في المجال، على ما أضافت المصادر، أمام القوى السنيّة التقليدية، فضلاً عن قوى المعارضة الجديدة على الساحة الداخلية، في إحراز مقاعد نيابية عدّة من مقاعد «تيّار المستقبل» الحالية. ففي الدورة الماضية أي في انتخابات العام 2018، حاز «المستقبل» على 21 مقعداً، رغم خسارته لـ 12 مقعداً، لأسباب عدة، بعد أن كانت كتلته النيابية في وقت سابق تُشكّل أكبر كتلة نيابية بـ 33 نائباً.
وبرأي المصادر، أنّ «تيّار الإعتدال» الذي يُمثّله الحريري، سيضعف مع شبه انسحابه وتيّاره من المعارك الإنتخابية المقبلة، في جميع الدوائر الإنتخابية وليس فقط في بيروت وطرابلس وصيدا. فما يُميّز «تيّار المستقبل» عن بقية الأحزاب السياسية السنيّة، هو أنّه الوحيد المعتدل والعابر للطوائف والمناطق والدوائر الإنتخابية، وقدرته على المساهمة في تأمين الحاصل الإنتخابي في بعض منها، وإن كانت الطائفة السنيّة لا تُشكّل فيها الأكثرية. فيما القوى السنيّة التقليدية أو المستقلّة، لا يُمكنها بسط نفوذها سوى في الدوائر الإنتخابية التي تترشّح عنها، وهي محصورة إمّا في طرابلس أو في البقاع،وبالطبع سيفتقد لبنان الإعتدال السنّي الذي كان يُمثّله الحريري، سيما وأنّ كلّ إعتدال مرحّب به في جميع المناطق اللبنانية، بغضّ النظر عن السياسة النقدية التي اتبعتها الحكومات التي ترأسها الحريري والتي أوصلت البلاد الى الإنهيار الحالي.
وتقول المصادر بأنّ قرار ترك الحريري الخيار لمرشحي «تيّار المستقبل»، يعني أنّه قرّر مقاطعة الإنتخابات، على ما أوضحت المصادر عينها، سيما وأنّ دعمه للمرشّحين لن يكون علنياً ولا مباشراً في حال شكّلوا لوائح خاصّة، أو شاركوا بعض الحلفاء في لوائحهم. ولكن غياب الحريري وتيّاره كمكوّن سنّي يُمثّل شريحة كبيرة من الطائفة السنيّة، يدلّ على أمرين أساسيين: الأوّل أنّ السعودية لم ولن تُوافق على اختيار سعد الحريري ممثّلاً عن الطائفة السنيّة وعنها في لبنان رغم عدم تمكّنها من اختيار أي بديل عنه لتخوض به الإنتخابات المقبلة، والثاني، هو أنّ الوضع المالي للحريري ليس على ما يُرام لكي يُنفق على الحملات الإنتخابية التي غالباً ما أفقدته الكثير من ثروته.
في المقابل، فإنّ قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أيضاً بعدم الترشّح شخصيّاً للإنتخابات، فضلاً عن عدم ترشّح سلام بحجّة ترك المجال للوجوه الشابّة، الى جانب أيضاً قرار «نادي الرؤساء السابقين»عن عدم خوضها اصطفافاً الى جانب قرار الحريري، كلّ هذا يعني شبه مقاطعة سنيّة للإنتخابات المقبلة، على ما أوضحت المصادر، الأمر الذي قد يُهدّد بتطييرها برمّتها. وفي حال حصلت الإنتخابات في مواعيدها الدستورية، فإنّ نسبة المشاركة السنيّة فيها قد تكون متدنيّة، نظراً للحجم الكبير لتمثيل كلّ هذه القوى في الشارع السنّي.
من هنا، تخشى المصادر ذاتها من أن يُحدث قرار الحريري النهائي، خضّة أمنية في البلاد، اعتراضاً على تنحّيه «سلمياً» من المعركة الإنتخابية المقبلة، بسبب عدم رضى الحلفاء والمناصرين على قراره هذا. أمّا في حال عدم قيامهم بأي ردّة فعل، فإنّ مقاطعتهم للإنتخابات المقبلة بشكل كبير قد يضرب «الميثاقية» التي يقوم عليها الدستور، كما المجلس النيابي، وهذا من شأنه اتخاذ قرار «تطيير» الإنتخابات قبل إجرائها، والذهاب نحو التمديد ربّما، للمجلس النيابي الحالي، ويقوم هذا الأخير بانتخاب رئيس الجمهورية السلف للرئيس العماد ميشال عون في تشرين الأول المقبل.