IMLebanon

سعد الحريري.. لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها

 

 

في الشّكل الوجداني قد يكون أفضل من اختصر مغادرة الرّئيس سعد الحريري المشهد السياسي سيّد المختارة وليد وجنبلاط ببضع كلمات “تيتّم الوطن اليوم”، في الشّكل الواقعي المشهد اللبناني اختصره بالأمس مشهد بكاء وتفجّع نائب حزب الله محمّد رعد على أطفال اليمن صحيح أنّ دهشة اللبنانيّين ساخرة مفادها  “عمرك شفت شي حَيْط عم يبكي”؟ لكن هذا هو الواقع اللبناني المرّ لأنّ “الوطن الذي تيتّم” بالأمس هو وطن مخطوف من حزب إيران الذي يدّعي أنّه حزب لبناني فيما هو إيراني في الشّكل والمضمون والعقيدة والهويّة والانتماء والولاء والسياسة، وبسببه لم يتردّد كبار مسؤولي الحرس الثّوري الأموات قبل الأحياء من التّفاخر بسيطرته على الأكثريّة النيابيّة وعلى الحكومة، وفوق هذا هو حزب إرهابي بشهادة دول العالم وفوق كلّ هذه يُراد للشّعب اللبناني وللدّولة أن تتعايش معه تحت عنوان أنّه جزء من النّسيج اللبناني!

 

من المفترض أن يحسن الفرقاء اللبنانيّون قراءة موقف الرّئيس سعد الحريري من باب الواقع اللبناني بدل أن ينخرطوا في لعبة الانتخابات النيابيّة المقبلة التي وبموجب القانون الأحمق الذي تجري على أساسه ستكرّس سيطرة حزب الله على الدّولة اللبنانيّة التي لا يزال يحتاج إلى الاختباء في عبّها وبين ظهراني الشّعب اللبناني، والأفضل للبنان وكلّ هؤلاء الفرقاء وبدلاً من أن يفكّروا بمكاسب صغيرة تزيد هذه الكتلة أو تلك به عدد نوّابها أن يتحرّكوا لمواجهة إيران وحزبها وأن يعلّقوا مشاركتهم في الحياة السياسيّة وإعلان رفضهم لكلّ ما يفعله الحزب في لبنان والعالم العربي، مع تقديرنا أنّ كلّ هؤلاء لا يرون أبعد من أنوفهم وأنّهم لا يفكّرون إلّا بحساباتهم الضيّقة جدّاً!

 

تجربة الحريريّة السياسيّة مع حزب الله تكرّرت مأساتها بين الأب والإبن، وأبرز خلاصة وصلت إليها هذه التّجربة ـ ويفترض أن تكون هذه الخلاصة درساً لجميع الفرقاء ـ استحالة “لبننة” حزب الله، هذه النتيجة وصل إليها الأب عندما أيقن استحالة تعايش نموذج هونغ كونغ وهانوي، وعندما استودع الرّجل لبنان وشعبه كان قد أدرك أنّه من الصّعب جدّاً أن يبقى رئيساً للحكومة اللبنانيّة وفي الوقت الذي كان فيه يحاور حسن نصرالله أمين عام حزب الله عسى ولعلّ أن يستيقظ ضمير هذا الحزب كان الآخر وحزبه يحسبون على الحريري الأب أنفاسه وخطواته تمهيداً لتفجيره بطنيّن من المتفجّرات في وسط بيروت ـ ربّما كان المراد أيضاً تدمير نصف العاصمة مع الرّجل وشاء الله أن يضيع عصف الانفجار في البحر ـ نفس الخلاصة وصل إليها الحريري الإبن ولو متأخّراً وإن تجنّب الإتيان على ذكر حزب الله الأداة الإيرانيّة في السّيطرة على لبنان، وهو في عجالة كلمته المقتضبة بالأمس أكد استحالة فعل شيء في مواجهة النّفوذ الإيراني، نسأل الله أن يحفظ الحريري الإبن من مؤامرات الاغتيال والتفجير.

 

حتى وإن اعتبر الرّئيس سعد الحريري ما فعله هو تعليق لدوره في الحياة السياسيّة. إلا أنّ الحقيقة أقسى من ذلك بكثير، لقد تعرّض سعد الحريري لأنواع عديدة من الخيانات، حتّى من الذين يتباكون على انسحابه من الحياة السياسيّة مثلما تعرّض لطعنات في ظهره وصدره حتى من أقرب النّاس إليه. وفوقها لم يحظَ الرّجل ببطانة صالحة ولا مستشارين أكفّاء، وتجمّعت في أفقه عواصف إقليميّة ودوليّة دفع ثمن أغلبها من رصيده الشخصي، حتى موقفه الأخير بالانسحاب الحزين من الحياة السياسيّة اللبنانيّة في لحظة مصيريّة من تاريخ لبنان الوطن والدّولة.