«قرّر» سعد الدين الحريري
نعم، قرّر سعد الدين الحريري وعلى الجميع أن يصدق.
قرّر الرجل، وهو بـ «كامل قواه العقلية والجسدية والنفسية»، العزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقرّرة، بدورها، في أيار المقبل. القرار، وبمعزل عما سبقه أو سيلحقه، يشكّل مظهراً من مظاهر احتضار الحريرية الطويل. أما الموت الحتمي والنهائي فمؤجل حتى إشعار لا إشارات حاسمة عليه بعد. فالحريرية السياسية التي قضى صاحبها ويتهيأ وريثها الشرعي لـ«التنحّي» المعلن أقوى من أن تُطوى بسهولة، بل الأرجح أن دون ذلك المزيد من الأهوال الاجتماعية والاقتصادية التي يرزح اللبنانيون، اليوم، تحت وطأة مقدماتها الأولى فحسب. فسمومها العضوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية… ضربت أساسات الكيان الهش ونالت من جذوره المصطنعة أصلاً. فضلاً عن أن رجالاتها الأقوياء، وهم لائحة طويلة متعاضدة يتقدمها «الشاطر» نبيه والألعبان وليد والقاتل الطليق سمير… وغيرهم ممن يستولي على الناس ومعهم «الدولة»، ما زالوا يتابعون فصول التنويع على الأصل الحريري، وهو أصل لصوصي شوّه حاضر «اللبنانيين» وسرق مستقبلهم. ودليل ذلك إصرار المشغّلين الدوليين والإقليميين وتوابعهم المحليين على حماية المدعو رياض توفيق سلامة وصحبه، وما تعنيه هذه الحماية من استمرار الحرب السافرة على «المجتمع» اللبناني وعموم أفرادها. فما يُعد للبلد وما يجري تنفيذه من خطط مالية وسياسات اقتصادية أُسندت إلى شخص يحمل اسم محمد نجيب عزمي ميقاتي، المعروف بنجيب ميقاتي، تؤكد على ثبات الحريرية كنهج وقوة حضورها كسياسات. خصوصاً أن «طموحات» هذا الشخص للإضافة النوعية والكمية على الأصل واضحة وضوح الانقلابات «السياسية» والفرص «الاقتصادية» التي «اغتنمها» عند منعطفات التحوّلات السياسية التي أصابت الإقليم.
فالحريرية وقبل أن تكون اسماً أو مسمّى، هي في حقيقتها – التي أكّدتها الوعود والسياسات التي رافقت ولادتها وترافق، اليوم، احتضارها المديد – عبارة عن مظلة نهب ورحم لصوصية رعى الفساد وطوّره وأنبت الفاسدين وحماهم. وهؤلاء في استمرار حضورهم في المناصب وسيطرتهم على المواقع يبرهنون على متانة هذا الحضور وعمق تأثيره العابر للحريري الأب أو الابن.
وضعية الحريري اليوم، وهنا جوهر الموضوع، تشبه إلى حد بعيد وضعيته أثناء اعتقال محمد بن سلمان له: فاقد الإرادة، ضعيف التأثير، عديم الفعل. والكلمة الموعودة التي وصلته قبل أيام بعدما اشتُغل عليها حذفاً وإضافة وحتى إعادة كتابة عشرات المرّات وفي أكثر من عاصمة، وكُلّف بتلاوتها، تكاد تكون نسخة محوّرة عن بيان الاستقالة التلفزيوني الذي سبق لبن سلمان أن أمر ببثّه من السعودية. فالواقع أن الرجل، وبخلاف كل ما يشاع، لا يزال أسير المعتقل السعودي، ولم يغادره البتة. أما وقائع مسرحية إطلاقه التي تولاها إيمانويل ماكرون وآخرون فلا تعدو أن تكون مشاهد مركّبة أُريد منها التخفيف من وطأة جلافة المسمى بابن سلمان لا أكثر.
بقي أن نسأل عن مصير مطرب الحريرية الذي أطرب جيوبه وجيوب أولاده وأحفاده بـ«لعيونك» و«وحياتك بتمون» و«الشغل ماشي»، وعن مدى جاهزيته أو استعداداته للقفزة المقبلة. صحيح أن لا خوف على هذا المطرب الذي تمرّس في القفز، إلا أن السؤال هو عن وجهة القفزة المقبلة وأرباحها، والخشية من فقدانه للرشاقة نفسها التي أهّلته لاحتراف القفز، وعن احتمالات استمرار تمتعه بالليونة الأخلاقية التي كانت له أيام الشباب المولّي.