المبادرة التي أقدم عليها الرئيس سعد الحريري لا يمكن أن تمرّ مثل أي موقف عادي، أو قرار تقليدي، أو أي مناورة سياسية مكشوفة. والعكس صحيح، إذ لا بدّ من أن تأخذ مداها بما ولّدته من دوائر في المستنقع السياسي اللبناني الذى ألقى فيه رئيس الحكومة الأسبق بحصاة تلك المبادرة غير المسبوقة في الحياة السياسية عندنا. وأضعف الإيمان أن تتواصل تردداتها ودوائرها وقتاً طويلاً، خصوصاً أننا مقبلون على استحقاقين بالغَي الأهمية هما الانتخابات النيابية العامة، ثم الانتخابات الرئاسية، وما بينهما من تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات. فهل ثمة عاقل، وحتى هل من لديه مجرّد الإلمام البسيط في الشأن العام في لبنان يجهل أهمية تأثير انسحاب الحريري وتيار المستقبل، ومعهما أكثرية الطيف السنّي، من اللعبة السياسية؟!.
طبعاً، السؤال البدهي الذي يطرح ذاته (وبالفعل بات مطروحاً، وبقوة، فور انتهاء الشيخ سعد من كلمته المفصليّة) هو ليس كيف ستتوزٌع أصوات الجمهور العريض الذي يوالي الحريري، بل هل سيُقبل هذا الجمهور على صناديق الاقتراع، وهو الذي دعاه سعد إلى تعليق نشاطه، أي الامتناع عن الانخراط في العملية السياسية بوجوهها كافة؟!.
إن أكثر ما يلفت في الصراع على جذب أنصار الحريري هو هذا التهافت على الدَجَل والنفاق والتدليس، وكأنّ جمهور الحريري – المستقبل من السذاجة بمكان كي لا يعرف مَن ينافق ومن يدجّل ومن يدّعي البراءة غاسلاً يديه (…).
وفي تقديرنا اليوم أن أفضل الوفاء لسعد الحريري ووالده الشهيد هو الابتعاد عن المشهد السياسي ما دام سعد مبتعداً…
…هذا إذا أُجريت الانتخابات.