في حين شكر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في إطلالته الأخيرة، «جمهور المقاومة» على «صبره وبصيرته أمام كلّ الاستفزازات»، ودعاه الى أن يُحافظ على غضبه، إذ «قد نحتاجه في يوم من الأيّام لننهي محاولات جرّ لبنان الى حرب أهلية»، إلّا أنّ هذا الجمهور عبّر عن غضبه في أكثر من محطة داخلياً في السنوات السابقة بدرجات متفاوتة، كان آخرها التعرّض للمتظاهرين في بيروت خلال التظاهرات الأخيرة التي تلت «إنتفاضة 17 تشرين». في المقابل يشعر الشارع السنّي بإنتكاسة وخيبة، بدأت ملامحها منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وتجلّت منذ 7 أيار 2008 أقلّه، اليوم الذي يعتبره هذا الشارع «وصمة عار» جرّاء «اجتياح» «حزب الله» لبيروت.
لم يكن موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من لاهاي، بعد جلسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للنُطق بالحُكم في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مفاجئاً. فهو لم يخرج عن خطابه المعهود في السنوات الأخيرة، الذي يحرص فيه على «الإستقرار» في البلد. توجُّه الحريري العام هذا، تحديداً تجاه «حزب الله» ترك خيبة في الشارع السنّي، ولدى قاعدة «المستقبل» تحديداً، وأدّى، الى أسباب أخرى، الى تراجع شعبيته، حسب ما دلّت الانتخابات النيابية الأخيرة، والى تعكير صفو علاقته بدول الخليج، ولا سيما منها السعودية، الى حد الإنقطاع في الفترة السابقة.
وعلى رغم من أنّ نصرالله استبق قرار المحكمة، مؤكّداً في إطلالته الأخيرة في 14 آب الجاري أنّها «لا تعني لنا شيئاً ونحن نعتبر انفسنا غير معنيين بأيّ من قراراتها، واذا قضت بحكم ظالم على أحد اخواننا نحن نتمسّك ببراءة جميع اخواننا»، قال الحريري من لاهاي، إنّ «المطلوب منه أن يضحّي الآن هو «حزب الله»، الذي صار واضحاً أنّ شبكة التنفيذ من صفوفه».
إلّا أنّ خيبة الشارع السنّي وقاعدة «المستقبل» ظهرت جلية، إن من حكم المحكمة، الذي اعتبروه غير كافٍ، أو من موقف الحريري الذي كانوا يأملون في أن يكون أقوى وأكثر جرأةً. وظهرت هذه الخيبة من خلال ما عبّر عنه بعض الموجودين في الشارع في طرابلس وبيروت وعبر مواقع التواصل الإجتماعي. هذه الخيبة وصلت الى الحريري، الذي اعتبر في حديثٍ تلفزيوني، أنّه «يجب أن لا تكون هناك خيبة أمل. فنحن طالبنا بالحقيقة والعدالة. واليوم نرى أنّها المرة الأولى التي تظهر فيها الحقيقة، وهنا تكمن صدقية المحكمة الدولية. ونحن لن نستكين عن المطالبة بالعدالة..».
لكن جزءاً كبيراً من الشارع السنّي، ومن الشارع اللبناني عموماً، ولا سيما منه المؤيّد لتوجُّه فريق «14 آذار»، الذي كان ينتظر طوال السنوات الماضية قرار المحكمة الدولية، كان يأمل في أن يسمع من الحريري العبارة الآتية: «لا ربط نزاع مع «حزب الله» بعد الآن، ولا مساكنة أو مشاركة في مجلس الوزراء، ونطالب بتدخّل دولي لكسر سيطرة «الحزب» على القرار اللبناني».
مصادر «المستقبل» تستغرب هذه الخيبة، وتسأل: «هل هناك أهمّ من أنّ الحكم أثبت أنّ قيادياً في «حزب الله» قتل رفيق الحريري؟». وتعتبر أنّ موقف الحريري هو «الأفضل، فهو يحافظ على الإعتدال ويمنع الفتنة من جهة ويؤكّد التمسّك بتطبيق العدالة من جهة ثانية».
لكن قرار المحكمة هذا لم يترك وقعاً فور النطق به، فلم يفجّر الغضب السنّي المكبوت. وتقول مصادر سياسية سنّية، إنّ «الغضب السنّي لم يتفجّر لأنّ لا قيادة له. فأيّ غضب من دون قيادة يمرّ كالهواء الذي لا نشعر به». وتعتبر أنّ «قدرة نصرالله تكمن في أنّه يمكنه تنظيم غضب جمهور «الحزب» وتوجيهه. أمّا في الساحة السنّية فالغضب مُشرذم وسيذهب هباءً في حال عُبّر عنه، إذ لا تنظيم له».
من جهتها، تشير مصادر تيار «المستقبل»، الى أنّ «تداعيات الحُكم على المستوى الشعبي تركت وقعها الأساس منذ عام 2009 حين عُرف أنّ أفراداً من «حزب الله» نفّذوا عملية الإغتيال»، مشيرةً الى «أننا الآن ننتظر موقف مجلس الأمن من الحكم».
كذلك لم يترك قرار المحكمة الدولية وقعاً على الساحة السياسية. وغداة حُكم المحكمة، استمرّ البحث في تأليف الحكومة من دون تعيين موعد لإجراء استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس للحكومة بعد مرور 10 أيّام على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب. وفي وقتٍ يُطالب الحريري «حزب الله» بتسليم سليم عياش المحكوم عليه في إغتيال والده، ما زال «الحزب» الى جانب كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، يسعى الى تأليف حكومة «وحدة وطنية» أو حكومة «توافق» حسب ما يُسمّيها مسؤولون في «الحزب»، ويُفضّل أن تكون برئاسة الحريري.
وفي حين أنّ الصمت ما زال غالباً في «بيت الوسط» في موضوع الحكومة، تقول مصادر تيار «المستقبل» إنّ الحريري «لن يقبل بحكومة وحدة وطنية كالتي يسعون اليها، و يُشارك فيها «حزب الله». مشيرةً الى أنّ «هذا الأمر ليس مرتبطاً بقرار المحكمة. فالرئيس الحريري من الأساس يرفض حكومات من هذا النوع، إذ جُرّبت سابقاً وكانت نتيجتها «صفر». وترى أنّ «هناك صعوبة كبيرة الآن في أن يتجاوز الحريري حُكم المحكمة وأن يُشارك في حكومة مع «حزب الله»، مرجحةً أنّه قد يقبل بترؤس حكومة وفق شروطه السابقة المعروفة، أي بعيدة من السياسيين. وتعتبر أنّ «هذه الحكومة إذا أُلّفت وأنجزت حينها، سيغفر الشارع لأيّ خيارات سياسية».