منذ تعليقه العمل السياسي، وعزوفه عن الترشح، لم يهدأ السؤال: ماذا يريد الرئيس سعد الحريري؟ هل هو «عزوف» العائد لاحقاً على حصان ابيض، كما فعل والده الشهيد رفيق الحريري إثر الانتخابات النيابية عام 2000؟ أم هو عزوفُ الخارج من الحياة السياسية إلى أجلٍ غير مسمى؟
«الإضطهاد» السياسي الذي تعرض له والده الشهيد رفيق الحريري، بين عامي 1998 و 2000، حمله إلى مجلس النواب بعدما اجتاح مقاعد بيروت في انتخابات الألفين. اليوم يصوِّر الرئيس سعد الحريري نفسه على أنه مضطهَد، ولذا آثر الإبتعاد، ولكن مَن يضطهِد الرئيس الحريري؟
إيران؟ «حزب الله»؟ نواب وشخصيات المستقبل الذين خرجوا على إرادته، وفي مقدمهم فؤاد السنيورة وأشرف ريفي؟ هل هم رجال سوريا في لبنان؟ هل هي «القوات اللبنانية»؟ بنظر الحريري، قد يكون معظم هؤلاء، وبدرجات متفاوتة؟
ولكن كيف يتعاطى الرئيس سعد الحريري مع هذه الباقة من «الأعداء»؟ ليس هناك معيار واحد، والحرب الأشرس التي يخوضها هي ضد الرئيس فؤاد السنيورة واللواء أشرف ريفي، و»القوات اللبنانية»، إذاً حدد معركته في الملعبين السني والشيعي، فكل مَن يرشحه الرئيس فؤاد السنيورة، «يُلقى الحُرْم المستقبلي» عليه، كترشيحِ رجل القانون الدكتور خالد قباني وكثيرين غيره . لكن لا بد من مخاطبة الرئيس سعد الحريري بالآتي:
إذا كان يرفض أن يرشِّح أحداً من «تيار المستقبل».
وإذا كان يحمِل، ضمناً، على مَن يرشحه الرئيس فؤاد السنيورة. فماذا يكون يفعل؟ الا يكون بذلك يسلِّم المقاعد السنية ليملأها «حزب الله»؟ هل هكذا يكون «يحارب» إيران و»حزب الله»؟
حين يريد ان يواجه «القوات اللبنانية»، فإنه يواجهها في مناطق قوتِّه السنيَّة، يُحرِّض السنة ويقول لهم: «ممنوع عليكم انتخاب مرشحي «القوات اللبنانية». من خلال «أمر العمليات» هذا، كيف يكون الرئيس سعد الحريري قد خرج من الحياة السياسية؟ المنع هو عمل سياسي بامتياز، وهو من ضمن الحياة السياسية، وهو يناقض ما قاله من انه علّق عمله السياسي. ألا يلتقي هنا مع «حزب الله» في وضع فيتو على مرشحي «القوات»؟ هل بهذا المعنى يكون الرئيس سعد الحريري حليفاً موضوعياً لـ»حزب الله»، ويلتقيان على هدفٍ واحد؟ هذا الإلتقاء لا يضير «القوات اللبنانية» ويؤذيها، بل يؤذي الرئيس الحريري.
عملياً سعد الحريري لم يعلِّق عمله السياسي، هو في قلب العمل السياسي بهدفين واضحين: الانتقام من «القوات اللبنانية» ومن كل من يخرج عن طاعته في «تيار المستقبل»، أما الحرب على إيران و»حزب الله» فشعارٌ للاستغلال الخارجي.
للمفارقة، فإن الرئيس الحريري يشن حربه الإنتقامية في اللحظة التي أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي اتهمت فيه رجال «حزب الله» وإيران، لا الرئيس السنيورة ولا «القوات اللبنانية»، ومع ذلك فإن الرئيس الحريري يريد ان يقاتل السنيورة و»القوات اللبنانية». أخطر سلاح يستخدمه الرئيس الحريري في وجه «القوات اللبنانية» هو سلاح العددية «نحن أكثر منكم عددياً في عكار وفي زحلة، ونحن نحسم في اقليم الخروب»، تماماً كما يقول الشيعة للمسيحيين: نحن اكثر منكم في بعلبك الهرمل وفي الجنوب.
سلاح العدد هذا يستخدمه السنة والشيعة بالمداورة، علماً ان شعار الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الطائف كان «أوقفنا العد».
ستنتهي الانتخابات النيابية مساء الخامس عشر من أيار، السادس عشر من أيار يوم جديد. الرئيس الحريري و»تيار المستقبل» خارج مجلس النواب للمرة الاولى منذ العام 1996، فهل سيبقى معلِّقاً العمل في السياسة؟ وإلى متى؟