قبل حوالى أسبوعين من فتح صناديق الاقتراع، وحوالى أسبوع على مشاركة غير المقيمين (6 و8 أيار المقبل)، تقود حالة الفوضى السائدة على الساحة السنيّة بعد قرار سعد الحريري بالاعتكاف، إلى السؤال: هل هو فعلاً منكفئ عن المسرح السياسي، وتالياً الانتخابي، أم قرّر الانخراط في وحول الانتخابات ولو على نحو غير رسمي وغير مباشر؟
لا شكّ في أنّ قرار رئيس تيار «المستقبل» كان مفصلياً بتبعاته، وترك تداعيات كبيرة على الجسم الأزرق، بعدما كرّت سبحة الاستقالات لا سيما من جانب الراغبين في المشاركة في الاستحقاق النيابي، وسادت حالة التخبّط بين القواعد نتيجة التضارب والانقسام في المواقف والسلوكيات، بين من قرر الالتزام بقرار الحريري، ومن قرر معاكسته كرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي أشهر سلاح المشاركة القوية، وبين من قرر أن يفتح دكاناً خاصاً به ليشغّل ماكينته دعماً لـ»صديق»… وبين من يسوّق أنّ الحريري سيمدّه بالأصوات ولكن من تحت الطاولة، وبين من يعتبر أن سلوك الحريري الانتخابي هو سلبي من باب النكاية ومحاصرة «القوات» و»ورثته». فعلاً، تحوّل المشهد إلى أشبه بطبق «فتوش» فيه كلّ المكونات.
وهنا يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
– يمكن القول إنّ دائرة بيروت الثانية هي أكثر الساحات السنيّة تخبطاً. على أرضها يتعارك «الحريريون». فالسنيورة قرّر دعم لائحة أساسية يترأسها خالد قباني، فيما يفترض أن أحمد هاشمية يدعم لائحة نبيل بدر. إلا أنّ التطورات تشير إلى احتمال أن يقود هاشمية خلال الساعات المقبلة حملة مقاطعة للاستحقاق النيابي، متخلياً بذلك عن دعمه لائحة بدر. ولعل ذلك يعود إلى عدم قدرة هذا الجناح على خوض معركة متكافئة قد تؤدي إلى خروقات نوعية، خصوصاً أنّ العديد من المفاتيح الحريرية فضّلت دعم لائحة قباني، أي تلك المدعومة من السنيورة، ومنهم سليم دياب، صالح فروخ، راشد فايد، عمار حوري، محمد عفيف يمّوت، محمد العيتاني… ومع ذلك، يقول أحد المواكبين البيروتيين إنّ هذه القيادات لم تنجح في تكوين موجة شعبية داعمة للائحة. في المقابل، فإنّ حملة المقاطعة قد لا تلاقي بدورها أصداء مؤيدة، وقد تنخفض نسبة المشاركة ولكن ليس بشكل معبّر. بالتوازي لا تزال أصداء السجال الذي حصل بين السنيورة وأحمد الحريري، تُسمع في أرجاء العاصمة، وهي لا تقلّ ضرراً على مستوى البيت الداخلي، من السجال الحاصل بين السنيورة ونبيل بدر، وبين هاشمية وسليم دياب…
– يؤكد اشتراكيون أنّ تبنّيهم ترشيح سعد الدين الخطيب، وهو حريريّ الهوى، والذي حصل بناء على تفاهم مع النائب السابق غطاس خوري، لم يؤد إلى تحريك ماكينة «تيار المستقبل» في الإقليم، وكلّ المجهود الانتخابي الذي يحصل يتمّ بمبادرة ذاتية من الحزب التقدمي ومن المرشح المعني. ما يعني، أنه لا تنسيق رسمياً أو فعلياً بين الاشتراكي والمستقبل، لا في الإقليم ولا في البقاع ولا في بيروت حيث انضوى الاشتراكي في لائحة خالد قباني.
– كذلك الأمر بالنسبة إلى دائرة البقاع الغربي حيث يتردد أنّ الحريري قد يجيّر أصواته لمصلحة ايلي الفرزلي دون سواه، وهي تسريبات لم تضبط بعد بالجرم المشهود، فيما يتردد أنّ انسحاب المرشّح العميد المتقاعد محمد حسين قدورة (مستقبليّ)، بعد أقلّ من 24 ساعة على تسجيل اللائحة الّتي تضمّه مع حزب «القوّات اللّبنانيّة»، جاء لمصلحة لائحة محمد القرعاوي- وائل أبو فاعور، وللائحة المنافسة التي يقودها حسن مراد.
– شمالاً، ثمة حديث عن دعم الحريري لائحة وليد البعريني- هادي حبيش، لكن المعنيين لم يرصدوا إلى الآن أي تحرك جدي لماكينة المستقبل قد يتحول يوم 15 أيار إلى أصوات تصبّ لمصلحة هذه اللائحة. فيما طرابلس وقعت في فوضى الاستقالات في صفوف «المستقبل» وتعددية اللوائح.
بالخلاصة، يؤكد أحد المعنيين أنّ الحريري منكفئ عن المشهد الانتخابي، ولا نيّة لديه بالتراجع عن قراره، حتى أنّ بعض من يلتقونه يكشفون أنّه طلب منهم الامتناع عن مناداته بلقب «دولة الرئيس» وكأنه قرّر أن يقطع حبل السرّة مع السياسة اللبنانية وزواريبها، فيما تحوّل «تيار المستقبل» إلى أجنحة متكسرة، موزّعة القوى والأطراف. ومع ذلك، ثمة ودائع حريرية في بعض اللوائح، هي أقرب إلى الحريري من غيرها من الترشيحات، والأرجح أنّها تستفيد من هذه الحالة لكي تستميل بعض مفاتيح «تيار المستقبل»… لا أكثر.