غيابه كشف هشاسة وعجز الطبقة السياسية عن إدارة البلد والخروج من التأزم
منذ ما يقارب السنة، علق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، وغادر لبنان الى الخارج، بعدما طوقت محاولاته وجهوده الحثيثة لتشكيل حكومة انقاذ اصلاحية، تستحيب لمطالب المواطنين المنتفضين على فوضى استباحة الدولة والفساد، وتعمل على حل الأزمة المتفاقمة ووقف الانهيار المالي، باسلوب خبيث ومبرمج من رئيس الظل ابان عهد الرئيس ميشال عون المشؤوم، رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ومكائد حزب الله التابع لايران من ورائه، وخبث الحلفاء المزيفين والوصوليين، وتراجع ملحوظ من فرنسا عن الاستمرار في دعم تنفيذ مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتشكيل حكومة اخصائيين، تتولى إجراء الاصلاحات اللازمة وتعمل على حل الأزمة المالية والاقتصادية.
فاجأ قرار الحريري الوسط السياسي والشعبي برمته، واحدث صدمة لدى جمهوره، ولم يقتنع بالعودة عن قراره رغم الحاح بعض الناصحين والمؤيدين، او المتوجسين قلقاً وخشية على لبنان من المجهول.
لم يخفِ خصومه شماتة ظاهرية بقرار مغادرته العمل السياسي طوعا، طمعا للامساك والتفرد بالسلطة ومقدرات البلد، والاستمرار بزج لبنان في سياسات النظام الايراني الهدامة بالمنطقة، وابعاده عن اشقائه العرب، بلا منازع قوي، او اعتراض من اي طرف سياسي وشعبي وازن، بها هو الحريري يعود هذه الأيام الى بيروت، لإحياء ذكرى استشهاد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهي ذكرى وطنية عزيزة وغالية عليه، كما على جمهوره واللبنانيين الوطنيين.ومع عودته، تطرح تساؤلات لا تتوقف من مؤيديه، والكثير من اللبنانيين عن امكانية انهاء تعليق عمله السياسي وعودته الى الساحة السياسية مجددا، أملا بمساهمته في حل الأزمة القائمة، والنهوض بلبنان من مأزق المعاناة والصعوبات التي يواجهها على كل المستويات.
ويبقى السؤال المطروح هو، ماذا تغيّر منذ تعليق الحريري عمله السياسي وحتى اليوم، لكي يعيد النظر بقراره؟
تكشف وقائع الاحداث والتطورات السلبية سياسيا، وماليا واقتصاديا، طوال غياب الحريري عن الساحة السياسية، منذ تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، بشروط ومواصفات حزب الله، وادائها المتردي، بفعل التعطيل المبرمج، ونتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، التي افرزت مجلسا نيابيا مبعثر القوى، وغير متوازن، ويعكس هزالة التمثيل النيابي الوازن، ولاسيما على مستوى التشريع، قياسا على ماكانت عليه المجالس النيابية السابقة، ناهيك عن تدني مستوى التمثيل النيابي السنّي وتشرذم قواه باتجاهات متعددة، وتعطيل كل محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل اشهر وحتى اليوم، سوء الاداء السياسي لكل الطبقة السياسية الحاكمة، وعجزها الكامل عن تولي السلطة وادارة شؤون الدولة، وتسيير امور المواطنين، بينما لم تظهر المعارضة على اختلاف مكوناتها، تجانسا مقبولا للتعاطي بفاعلية مع مختلف الامور والاستحقاقات ولاسيما بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل ظهرت مشتتة، وكل مكون منها يغني على ليلاه منفردا عن الآخر.
كشف غياب الحريري عن السلطة والسياسية معا، هشاسة الطبقة السلطوية، بكل مكوناتها ومراتبها، وفشلها الذريع في تولي السلطة، وعجزها الكامل في انتشال البلد من ازمته، واظهر بوضوح ان وجوده بالسلطة، وفر عامل الاطمئنان للمواطنين، والثقة بالدولة بالداخل والخارج معا، ولذلك يطالب اكثرية اللبنانيين بعودته لتولي المسؤولية من جديد، حتى بعض خصومه الذين تظللوا بوجوده بالفترة الماضية، وانقلبوا ضده.
الأداء السلبي لحزب الله يقلل من الآمال المعقودة لإنقاذ البلد
وفي الخلاصة، وبالرغم من تردي الأوضاع وزيادة حدة الازمة الضاغطة بكل الاتجاهات، لا يظهر اي مؤشر ايجابي يوحي بتغيير الاداء السلبي والتعطيلي الذي ادى إلى تعليق الحريري عمله السياسي، بل على العكس تماما، فإن الممارسات والسلوكيات السابقة، ولاسيما منها الأداء السلبي لحزب الله في تكبيل وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لحسابات ومصالح النظام الايراني على حساب مصلحة اللبنانيين كما يحصل حاليا، تقلل من الآمال المعقودة لإنقاذ البلد، وتؤشر على ان الازمة طويلة، وتدل بوضوح على الامعان بدفع لبنان نحو مزيد التدهور والخراب.