صيام الرئيس سعد الحريري عن الكلام السياسي كان أكثر بلاغة من أي استرسال في تركيب الألفاظ والجُمَل.
في المبدأ أنا من الذين يؤثرون «دويّ» الصمت على ضجيج الحكي، وكنت وما زلت أردد قولي المعروف أن بين أسرار نجاح الرئيس المرحوم فؤاد شهاب الاعتصام بحبل الصمت. وقبله كان الرئيس المرحوم كميل شمعون، يتحدث مرتين في السنة، الأولى في الكنيسة لمناسبة عيد سيدة التلة لما لهذه الكنيسة من بعد وطني(…) والثانية في عيد الاستقلال.
ومع الفارق في التفاصيل واختلاف الظروف، فإنني رأيت في تمنّع الرئيس سعد الحريري عن الكلام في ذكرى جريمة 14 شباط الكبرى الأليمة التي اغتيل فيها والده شهيد الوطن الرئيس رفيق الحريري، دلالةً على رسائل عديدة في اتجاهات مختلفة:
إنها رسالة الى اللبنانيين عموماً والبيارتة خصوصاً الذين توافدوا، أمس، الى ضريح الشهيد، ثم الى بيت الوسط، وكأنه يدعوهم الى الاعتصام بحبل الصبر وهو مفتاح الفرَج.
والى بعض الذين كانوا من عظام الرقبة وبنوا أمجادهم وأدوارهم السياسية والمالية الضخمة على كتف رفيق وسعد سقطوا عندما طلب منهم أن يصبروا معه، مجرد الصبر ليس إلّا، فخذلوه في أول منعطف… وكم كان بعضهم تعساً وجاحداً وهو ينشر مقالاّ مطولاً عن الذكرى المؤلمة من دون أن يأتي على ذكر سعد بكلمة واحدة… كثيرون استغلوا طيبة الرجل، وقبله الوالد الشهيد، وعندما علّق الرجل نشاطه السياسي سقطوا تباعاً من عربة الوفاء، سواء أكانوا من أهل البيت، أو من عظام الرقبة، أو من حلفاء أعطاهم من دون حدود، فبادلوه عقوقاً…
وبعد، لا أعرف الشيخ سعد مباشرة وعلى الصعيد الشخصي، ولكنني مثل الكثيرين جداً من اللبنانيين، أرى أن عودته الى الساحة السياسية أكثر من ضرورة وطنية. وفي أي حال هو مَن يعرف ظروفه ويقدرها و… يعانيها.