عند كل استحقاقٍ يَثبُت أن سعد الحريري أخرج، بغيابِهِ، السنّة من المشهد السياسي، وفشل كل الطامحين بوراثته في جعل الساحة السّنية تتفاعل مع أيّ حدث.
مرّت الجلسة الـ 12 لانتخاب رئيسٍ للجمهورية «مرور الكرام» على مكوّنٍ أساسيّ في البلد، يشعر أنّه خارج «الدولة» بالمعنى السياسي للكلمة. موقع ليس بالسهل تقبّله على أهالي منطقةٍ كالطريق الجديدة مثلاً، المسيّسة ببشرها وحجرها، ومنها تنطلق المواقف المعبّرة عن قاعدة شعبية ارتضت ألا تكون شريكة في اختيار رئيس جمهوريتها «لعيون» سعد. وفيما تطبخ الأحزاب المتموضعة على ضفتي الاصطفاف السياسي الطائفي رئيساً، يقف أبناء تيار المستقبل متفرّجين كزعيمهم. هذا «الانعزال» يتعاملون معه على أنّه سيف ذو حدّين. ففي حين يرى فيه البعض «عاملاً معزّزاً لشعور الإحباط والعيش على هوامش مرحلة مهمة من تاريخ البلد»، يقرأ فيه آخرون «تحييداً للسنة عن صراعات لا تُحمد عقباها قد تأخذ البلد إلى أماكن خطرة فيما لو استمرت وتيرتها بالتصاعد». عموماً، ليس في الأمر ما هو مفرح، على ما يتّفق الجميع في الطريق الجديدة، فغياب الزعامة في نظامٍ زعاماتي محض، سلب هؤلاء قوّتهم. بطريقته يعبّر عن ذلك أحد تجار المنطقة بالقول: «التجار كثر، والسوق مشرّعة أبوابه، لكن البيارتة غير راغبين بالمتاجرة بهم».
عملياً، لا مبالاة مناصري تيار المستقبل بالحدث الرئاسي، نابعة من فشل النواب السنة في البرلمان في استقطاب ولو جزء صغيرٍ من هؤلاء. «البعض منحهم أصواتاً في الانتخابات، لكنّ الجميع يعلم ظروف المعركة الانتخابية، وما يُرافقها من هدايا وإغراءات» برأي سيّدة أمضت نصف عمرها في أحد أحياء المنطقة. لتخلص إلى أنّ «مشاريع وخيارات النواب السنة لا تعني أحداً ولا تمثّل أحداً». وطالما أن الكلام «إما يكون بهدف خدمة مشروع سياسي وإما لا يكون» لذلك يلتزم أبناء المستقبل، والسنة عامة، الصمت وعدم الاكتراث. وبنظر غالبيتهم، أفضى قانون الانتخابات إلى وصول نواب «يفتقدون إلى الخبرة السياسية»، وتحكمهم «مصالح» مختلفة: جزء أقرب إلى «الفريق السيادي» وآخر أقرب إلى الثنائي حزب الله وحركة أمل، وثالث وسطي ورابع تحكمه حساباته المناطقية وهكذا… «ما حال دون أن يتّحدوا في مشروعٍ ربما كان سيقنع بعضاً من أهل السنّة» يفترض شاب مستاء من غياب التأثير في خيارات البلد وتوجهاته.
كل ذلك لا يلغي أنّه بعد عامين على تعليق سعد الحريري لعمله السياسي، خفّ العتب على «القائد» الذي هجر «الرعية». قبل عامين، في جولةٍ مماثلة على الشوارع والأزقة عينها في الطريق الجديدة، كان اللوم على سعد قد بلغ مداه. وكان الخوف من مصير مجهولٍ يسيطر على «المستقبليين» كما البيئة الأوسع للتيار. إلا أنّ ما يشهده البلد من انقسامٍ عمودي حادّ يعيد إلى الذاكرة انقسام 8 و14 آذار، وما رافق تلك الفترة من اهتزازات أمنية وسياسية وتشنجاتٍ خطيرة، يدفع بالسنّة اليوم إلى «تفهّم» سعد، باعتباره «حيّدهم عن الفتنة». ويعود قسم كبير منهم إلى تصريح الرجل يوم إعلانه الاعتكاف، مؤكّدين أنّه «كان على حق». لكن مهما يكن من عمليات تجميلٍ لواقع الحال، فالندوب واضحة فيه، وقد اختصرها أحد الفاعلين في الساحة البيروتية، بتخوّفه من احتمالاتٍ كـ«الانجراف نحو التطرّف أو الهجرة أو النقمة على باقي مكوّنات البلد»، لأن أحداً لا يستسيغ العيش على الهامش.
أيضاً خلال إعادة قراءة المرحلة، استنتج البعض أن «السُّنّة لم يكونوا في صلب اهتمام السعودية كما افترضوا»، إنما «نُستخدم كموظّفين، وإلا ما كانت لتقصي زعيمنا عن الحياة السياسية، عقاباً له على رفضه التماهي ومصالحها السياسية في البلد في لحظةٍ ما». وربطاً، يسيطر على غالبية من تلتقيهم في الطريق الجديدة، شعور أنّ ما يحصل «Déjà vu»، وأنّهم أوّل من اختبر «الإقصاء»، وكذلك «محاولات الانقلاب» من الحلفاء كحزب القوات اللبنانية، و«العرقلة» من التيار الوطني الحر، لعمل سعد الحريري، بشخص رئيسه جبران باسيل يوم كان حليفاً «مدلّلاً» لحزب الله.