في يوم ما صارح أحدهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بنصيحة تقول: «لا تختبر نفسك في السياسة وأنت ثري، بل وأنت مفلس، من دون أموال ستعرف الأوفياء».
لم يكن رئيس حكومة لبنان السابق في حاجة إلى الإختبار كي يتعرّف إلى القلّة من الأوفياء. اعتكافه كان في مكان ما ابتعاداً عن مجموعة بنت مجدها على حسابه وحساب والده. توافقت مع الحريري أو عارضته، فالرجل له حيثية لم تنتفِ في غيابه. مَن يراقب الساحة السنية في أعقاب حديث عودته ولو لزيارة خاطفة إحياءً لذكرى والده يتأكد أنّ الحريرية لم تنتهِ. من شارع بيت الوسط، إلى المناصرين، إلى تأهب بعض النواب لتنظيم زيارته، كلها مشاهدات تشي بأنّ للرجل موقعه في وجدان السنة. منذ اعتكافه تطلعت المملكة السعودية الى شخصية سنية يلتئم شمل السنة حولها. ولما كان تحقيق المطلوب صعباً تعاملت مع مسؤولين فاعلين في مناطقهم.
لا يختلف السنّة على حاجتهم إلى مرجعية، شكواهم من الفراغ تتكرر مع ذكرى اغتيال رفيق الحريري. بينهم من يعتبر أنّ عودة سعد ضرورة ملحة مقابل قائلين إنّ عودته لن تقدّم أو تؤخّر لاعتبارهم أنّ الحريرية انتهت إلّا من العلاقة الوجدانية مع الرئيس الراحل.
يناصر الوزير السابق رشيد درباس أصحاب الوجهة الأولى فيتوقع «أن تكون عودة الحريري مختلفة عن سابقتها. فعودته اليوم هي لإختبار الوجود».
بين العام المنصرم واليوم تطورات كثيرة حصلت «وما قصده الحريري بالإنكفاء كان نوعاً من النقد الذاتي الدخيل على الحياة السياسية اللبنانية، قال يومها إنني أتحمل المسؤولية وانسحب من المسرح السياسي لعله يشهد ولادة لمن يتولى قيادة المرحلة، وإذ يتبين أنّ مكانه بقي فارغاً رغم كثرة المحاولات بدليل ما أفرزته نتائج الانتخابات من نواب الفراغ». ويتابع درباس: «ما أعلمه أنّه سيُقام للحريري استقبال شعبي لم يقبل به العام الماضي، وسيكون الحراك بجزء منه عفوياً وبجزئه الآخر منظّماً بدليل الشعارات التي سبقت وصوله والتي هي ذات دلالات ما يعني أنّ الحريري يريد استطلاع أجواء الناس ليقرر البقاء أو العودة من حيث أتى».
في ظن درباس «أنّ التطورات الاقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة، والحوار العميق بين ايران وأميركا الذي يعبّر عنه بطرق ديبلوماسية وأخرى عسكرية، والمفاوضات الإيرانية – السعودية، كلها تشي بوجود أجواء من التسوية التي عادة ما تكون مسبوقة بتصعيد هدفه تحسين شروط التفاوض لكل طرف، وليس أجدر من الحريري ليكون رجل التسوية، واذا لم تنجح التسوية فوجوده أيضاً ضرورة لضبط الوضع».
عودته بالشكل الذي يشير اليه الوزير درباس «توحي وكأنّ «الفيتو» السعودي على الحريري الذي كان يحكى عنه قد أزيل وأنّ الدولة الحاضنة للسنة ستعود إلى دعم زعيمها. ولقد لمست شعوراً بأنّ خيار المقاطعة السعودية يزول».
في أوج مفاوضات البحث عن رئيس للجمهورية وتنامي الحديث عن المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة يظهر الحريري في اختبار شعبي وسياسي. أما شعبياً فلا يحتاج إلى من يؤكد حضوره رغم الغياب. أما سياسياً فإنّ المقربين يتحدثون عن تحول في خيارات المملكة في ما يتعلق برئاسة الحكومة. ترغب المملكة في رئيس من خارج الطبقة السياسية، وتفضله من فئة الشباب الذي يحاكي المرحلة. لكأن الوقائع تقول إنّ من يتولى مسؤولية بلا توافق في لبنان لن يتسنى له أن يحكم. ومن يعلم فربما قادت التسوية إلى نسخة منقحة عن الحريري يفرضها الحوار الايراني- السعودي، والايراني- الأميركي وإلى أن تنضج تلك التسوية الموعودة فثمة حقائق لا يمكن تجاوزها، وهي أنّ «غيابه خلف فراغاً لم يُملأ بعد».