Site icon IMLebanon

لِمَ يُصرّ الحريري على تصوير الرئيس المكلف دمية؟

 

 

عندما يقول رئيس الجمهورية ان عدم تأليف الحكومة يذهب بالجميع الى «جهنم»، ذلك يعني ان لا مرجعية دستورية يُحتكم اليها بعد الآن لحل مآزق النظام، بما في ذلك اتفاق الطائف نفسه الذي اضحى من الماضي، او في احسن الاحوال صار حبراً على ورق

 

بات مسار تأليف الحكومة عالقاً بين طرفين، ينتظر كل منهما ان يلي ذراع الآخر وإن متأخراً. ليس ليكسره فحسب، بل ليكرّس امراً واقعاً مختلفاً سيكون الثاني منذ اتفاق الدوحة عام 2008.

 

قطع اتفاق الدوحة، تبعاً للاسباب والمسؤوليات المشتركة التي قادت اليه، الطريق الى شطب نصف اتفاق الطائف في ادارة النظام القائم وآلياته الدستورية المنصوص عليها، ناهيك بثغره التي هي اقرب الى فجوات. اوجد اعرافاً غير مسبوقة لم ينص عليها اتفاق الطائف في تأليف الحكومات، والفيتوات الممنوحة للكتل الرئيسية والقوية، واشتراط الحقائب وحصر بعضها بقوى واخرى بطوائف، وفرض اسماء الوزراء وليس تسميتهم فقط. اضف النصاب الموصوف المسمّى الثلث المعطل.

اشترك في ارساء هذه الاعراف كل الافرقاء الموقعين على اتفاق الدوحة بلا استثناء، بذريعة تفادي فتنة شيعية – سنّية دموية انفجرت في 7 ايار 2008، ولم تنطفىء جذوتها حتى الآن عند طرفيها.

«جهنم» 7 ايار ليست اخطر واصعب من «جهنم» اليوم التي حذّر منها رئيس الجمهورية ميشال عون امس ولم يستبعدها، خصوصاً ان افرقاء اتفاق الدوحة ينقلب بعضهم على بعض آخر. لذا لم يعد غامضاً تفسير ما يجري، بالطريقة التي تولى هؤلاء شرح مواقفهم بها، سوى انهم يستعيدون الصراع المذهبي السنّي – الشيعي الذي سيقود الى شطب النصف المتبقي من اتفاق الطائف، والانتقال الى مرحلة جديدة تخلف اتفاق الدوحة، لكن بلا نصّ مدوَّن كاتفاقي 1989 و2008.

ما يحدث منذ 31 آب، مع تكليف مصطفى اديب تأليف الحكومة الجديدة، هو الآتي:

1 – سلّم الرئيس المكلّف دوره كلياً الى الرئيس سعد الحريري والرؤساء السابقين للحكومة – وقد لا يكون أُعطي له في الاصل – كي يفاوضوا عنه لتأليف الحكومة التي سيترأس، سواء دان لهم بالمنصب الذي وصل اليه أم لم يدن. تبعاً لذلك، فرض الفريق السنّي القاعدتين المنفّرتين للثنائي الشيعي لكن المستفزّتين اكثر له: اولى، المداورة الشاملة في الحقائب بدءاً بالمال، وقد تكون هذه هي المقصودة اكثر من سواها لاخراجه منها، وقطع دابر العُرف ومبرّره الميثاقي الذي ينادي به الثنائي. وثانية، تولي الفريق السنّي اختيار وزراء الثنائي الشيعي في وقت يترك لنفسه اختيار الوزراء السنّة والمسيحيين والدروز. ان تكون حكومة الرؤساء السابقين للحكومة على نحو لم يسع اي منهم، واولهم الحريري وهم ترأسوا الحكومات قبل اتفاق الدوحة وبعده، ان يفعلوا ما يتمسكون بحصوله الآن.

لعل المفارقة ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005، ثم من بعدها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد ثلاثة اشهر، شهدتا اول دخول لحزب الله في السلطة الاجرائية في حقبة شهدت اوسع تدخّل لواشنطن وباريس في اليوميات اللبنانية وادقّ تفاصيلها، دونما اي اعتراض على ولوج حزب الله الى الحكومة. لم يكن مضى على اغتيال الرئيس رفيق الحريري سوى اشهر قليلة، كانت اصابع الاتهام موجّهة الى سوريا كما الى حلفائها واولهم حزب الله. «المؤامرة» التي يعدُّ الثنائي الشيعي نفسه يتعرّض اليها الآن، ان الفريق السنّي يتعهّد ما لا يسعه تنفيذه ويجازف بالاستقرار الداخلي، وهو اقصاء حزب الله وحركة امل معاً عن الحقيبة المسماة ميثاقية وعُرفية، وعن الحكومة برمتها، وعن اي دور لهما في تأليفها وتسمية وزراء غير حزبيين حتى، مثلما تعمّد الرئيس المكلّف تجاهل التشاور معهما وهو يعرف – كما اسلافه جميعاً المجرِّبون والمجرَّبون – ان لا حكومة من دونهما.

بعد انقضاء المهلة الفرنسية الثانية الاحد، دونما ابصار حكومة الامر الواقع النور، بات من المؤكد للثنائي انه كسب رهانه لمجرد ان لبنن المهلة، بعدما لبنن المبادرة الفرنسية نفسها بترك تأليف الحكومة يدور بين ايدي اللاعبين الفعليين، اصحاب الفيتوات.

2 – يتصرّف الحريري، ما دام واجهة رؤساء الحكومات السابقين وهو في تقويم الثنائي اقوى الزعماء السنّة الضعفاء ليس الا، على انه الاقدر على اقصاء حزب الله عن النظام بإخراجه اولاً من الحكومة، وبفرضه اسماء وزراء شيعة لا يسمّيهم ولا الرئيس نبيه برّي، وبمنع حصولهما على وزارة المال التي تتقاطع فيها وجهة نظره – اي الحريري – مع الاميركيين على انها لا تزال باباً متاحاً لتهريب اموال الى الحزب، وإن من خارج النظام المصرفي الدولي.

مع ان الحقيبة، كلما تولاها شيعي كانت في حصة برّي، بما في ذلك في عزّ العلاقات الودّية الاميركية – السورية في حقبة دمشق في لبنان (1989 ـ 1992)، الا ان الحريري الذي له مقاربة لحقيبة المال مختلفة تماماً عن دوافع الثنائي الشيعي مرتبطة بالمرحلة المقبلة، بات يفضّل ان لا يفصل بين رئيس البرلمان وحزب الله. كلما احتاج في ما مضى الى تنازل من حزب الله ذهب الى عين التينة، ووجد على الدوام صمام امان سلامته السياسية ودوام بقائه في السرايا من خلال رئيس المجلس الذي يرعى الحوار المتقطع بينه وبين الحزب. لذا يتمسّك الحريري – كواجهة مرئية لأديب – بسنّي لوزارة المال مع شرطه الآخر وهو تسميته وزراء الحقائب الشيعية الاخرى.

 

الثنائي الشيعي يلبنن المهلة بعد لبننته المبادرة الفرنسية

 

 

وقد يكون الاسوأ في الطريقة التي يدير بها مفاوضات التأليف الموصدة الابواب دون الثنائي، ان الحريري يصوِّر الرئيس المكلف كأنه دمية قبالة الجميع بمَن فيهم رئيس الجمهورية. في جزء مما عناه عون البارحة تصوير مماثل لرئيس مكلّف كأن لا وجود له.

3 – سواء تحدّث اتفاق الطائف ضمناً عن وضع الحقيبة في وزير شيعي او لم يفعل، جعل الثنائي الشيعي هذا المطلب جوهرياً لا يسعه التنازل عنه اياً يكن السبب، بما في ذلك الذهاب الى الاضطراب والفوضى. باتت الحقيبة، على ضآلة مكانتها السياسية قياساً بسلاحه وموقعه في المعادلتين الداخلية والاقليمية، جزءاً لا يتجزأ من كيانه ووجوده في قلب النظام، ورَبَطها بمصير الطائفة على نحو مطابق لما اعتاد الرؤساء المكلفون تأليف الحكومات في العقد المنصرم ان يفعلوا عندما راحوا يحتجزون التكليف اشهراً ويقرنونه بعيداً من اتفاق الطائف بكرامة الطائفة ومكانتها.

بالتأكيد ليس لأي احد ان يأخذ على محمل الجد عبارة الثنائي ان «ألّفوا الحكومة من دوننا». لا حكومة من دونه، ولا حكومة تُفرض عليه، دونما الحاجة الى انتظار جلسة الثقة في مجلس النواب. ذلك ما توخى رئيس الجمهورية قوله عندما وازن ما بين عدم تأليف الحكومة و«جهنم» التي ليست سوى فوضى النظام والدولة والشارع.

ما بات بين الفريقين المتناحرين رهان مكلف، هو ان احدهما سيلي، في نهاية المطاف اذا كان لا بد من حكومة، ذراع الآخر ويؤلمه.