IMLebanon

سعد الحريري: المطلوب تغيير الجوهر بعد المظهر

 

 

في أول ظهور للرئيس سعد الحريري بعد عودته الى بيروت وخلال زيارته للسراي الحكومي ولقائه الرئيس نجيب ميقاتي، لفت الأنظار بمظهر الجديد، الذي لم يظهر به منذ دخوله الحياة السياسية، وكأنه ومن خلال «النيو لوك» الجديد يريد أن يوجه رسالة إلى من يعنيهم الأمر، بأن ينتظروا سعد الحريري بـ«حلة جديدة»، ليس بالشكل، إنما بشخصيته السياسية المتكاملة.

لا شك أن كل ما تعرض له سعد الحريري خلال مسيرته السياسية الحافلة بالأحداث والتطورات «الدراماتيكية» من إستهدافات وتنكيل وطعنات من الأقربين والأبعدين، جعلته طيلة فترة اعتكافه عن المسرح السياسي أن يختلي بنفسه مطولاً، وإجراء مراجعة نقدية ذاتية لكل تلك المرحلة، بعيداً عن أي تأثيرات ومؤثرات من أي كان، من شأنها أن تعكر صفاء «زهد» السياسي، الذي كان أقرب إلى فترة (Ditox)، جعلته يتخلص من كل «الفيروسات السامة» التي أصيب بها جراء عدوى الإنتهازيين والنفعيين والضالين.

 

بالتأكيد كان سعد الحريري أحوج ما يكون إلى فترة «تنسُّك» و«تصوُّف» سياسي، ليستعيد نقاء وجلاء ذهنه، ليستعيد صفاءه وصواب تفكيره، بعيداً عن موبقات السياسية اللبنانية وساستها الفاحشين، وذلك تمهيداً لطرد كل «الدرن» السامة و«المسرطنة» من حوله.

مما لا شك فيه، أنها كانت مرحلة صعبة وأليمة عليه نفسياً وسياسياً، ليس فقط لما توصل إليه من إستنتاجات، بل عندما صار يشاهد بعد قرار تعليق عمله السياسي، السلوك الوقح للأشرار من المستفيدين الذين تسلقوا على كتفيه للوصول الى مآربهم، كيف تخلوا عنه وطعنوه في ظهره،  عندما استدارت الظروف وطوقت حركته وكبلت مشروعَه.

فعلى صعيد الأقربين وذوي القربى (السياسية)، كم منهم من نقل البندقية من كتف الى كتف، وقفزوا من سفينة «المستقبل»، وأداروا ظهورهم له، مبررين قلة وفائهم بالمقولة «الاستهلاكية»: «كنا نحذره من هذا القرار أو تلك الخطوة، ولكنه لم يأخذ بنصائحنا»!

 

أما على صعيد الحلفاء (المزعومين)، الذين لا يقلون عن الخصوم إبتزازاً له (سياسياً وغير سياسي)، لم يتأخروا في نسج تحالفات وتموضعات جديدة، حفاظاً على مصالح وأنانياتهم السياسية الضيقة.

وكلا الفئتين، حاولتا جاهدة أن ترث سعد الحريري سياسياً وهو حيٌّ، حتى وصلت بهما «الحقارة» إلى التهجم الشخصي عليه، وبالتالي تحميل «الحريرية» السياسية، مسؤولية انهيار لبنان، بدل أن يسترا «عورة» استدارتهما!

واليوم، ومع الحديث عن أمكانية عودة الرئيس سعد الحريري عن قراره بتعليق عمله السياسي، بدأ هؤلاء المنتقدين والناقمين على سعد الحريري، حملة مضادة لكل طروحاتهم السابقة، بالتهليل لعودة الحريري، واصفين إياها بالحاجة الضرورية لانقاذ لبنان، معتبرين ان الحياة السياسية لا تستقيم إلا بوجود الرئيس الحريري على رأس السلطة التنفيذية، علهم يركبون «الموجة» مجدداً.

في هذا السياق، علينا الإقرار وبكل موضوعية، بأن سعد الحريري لم يكن خالياً من الأخطاء، شأنه شأن كل من يتعاطى الشأن العام في لبنان، خصوصاً وأن السياسة فيه مثقلة بالتناقضات والتعقيدات، كذلك لا يمكن أيضاً أن ننسى أن سعد الحريري وبسبب الكثير من خياراته التي كان يرى فيها مصلحة عليا للبنان، قد عاني من أزمة ثقة مع جمهوره ومناصريه وحتى تياره، سيحتاج الى جهود جبارة ومضنية لاعادة ترميم هذه العلاقة.

وهذا ما يتطلب اجراءات استثنائية وجريئة منه على الصعد كافة، سياسياً وتنظيمياً وتحالفياً، ولكي يتمكن من إستعادة تلك الثقة المهزوزة عليه أن يبدأ من الحلقة الأقرب، أي فريق عمله وقيادة تياره السياسي، بدءاً بطرد كل «الدرن والطحالب» السامة من محيطه ومن الجسم التنظيمي لتيار «المستقبل»، والإستعاضة عنهم بكفاءات ونخب تتمتع بالسمعة الطيبة وتحظى بثقة الناس.

إنها الخطوة الأولى نحو الألف ميل. فكما أجرى الرئيس سعد الحريري تغييراً في المظهر، فإن جمهوره والمراهنين عليه، ينتظرون منه تغييراً في الجوهر.