خرج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، عبر إطلالةٍ من قناة «العربية»، يوم قدَّم استقالته ببيان مسهَب، وعاد إلى الحياة السياسية، مع وقف التنفيذ، عبر إطلالةٍ من قناة «الحدث-العربية»، في مقابلةٍ «حصرية». في الأمر مغزى وليس مصادفةً، ونادراً ما تتدخَّل المصادفة في السياسة، وإنْ بدا للبعض أن المصادفة تفعل فعلها.
السؤال هنا: هل كان هناك قرارٌ بإبعاد الرئيس الحريري عن الحياة السياسية؟ لا أحد يعطي جواباً شافياً، يُسأل الجميع لكن لا جواب رسمي، أمّا الظاهر والواضح والملموس، فإنّ الرئيس الحريري ما زال في مرحلةِ الإبعاد والإبتعاد، وكل ما ظهر، بعد عودته «الموقتة»، ليس سوى «بروفا» لِما سيكون عليه الوضع بعد العودة غير المحددة.
الجملة السحرية التي استخدمها الرئيس الحريري كانت «كل شي بوقتو حلو»، فمتى يحين هذا الوقت؟ ليس معروفاً إذا كان القرار في الداخل، وحتى ذلك الحين، ما هي طبيعة «المنصَّة السياسية» التي يقف أمامها الرئيس الحريري؟ هل كلامه في الداخل ليسمعه الخارج؟ أين هو فريق عمله؟ ما هو طرحه؟
غاب معظم أعضاء «الحرس القديم» عن «المشهد»، سواء الذين اختلف معهم أو الذين اختلفوا معه. غاب الوزراء أحمد فتفت وأشرف ريفي ونهاد المشنوق، وغيرهم، ومَن حضر منهم فقد كان حضوره من خلال «لوكٍ سياسي» جديد كالوزير السابق محمد شقير الذي حضر على رأس حركته السياسية الجديدة، وحضر من «الحرس القديم» النائب والوزير السابق باسم السبع والسفير جوني عبدو اللذان عادا، في زيارة خاطفة، من العاصمة الفرنسية، مقرّ إقامتهما. يكاد يكون الدكتور غطاس خوري الوحيد الذي شارك في معظم اللقاءات، حتى بالإمكان أن تُطلَق عليه صفة «المعاون السياسي» للرئيس الحريري، أمّا السيد نادر الحريري، فكان حاضراً وغائباً، سياسياً في حضوره، كان في الصورة بصفته «ابن عمة» الرئيس الحريري، وليس مدير مكتبه، كما كان في السابق.
ماذا عن المكوِّنات السياسية؟
ثلاثة مكوِّنات قاطعت أو قاطعها الرئيس الحريري:
«حزب الله»، بالتأكيد، وفي خروجه عن الصمت، اتّهم الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذهب أبعد من ذلك حين قال: «وبشِّر القاتل بالقتل ولو بعد حين». «حزب الله» التزم الصمت حيال ما قاله الحريري.
المكوِّن الثاني في القطيعة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، وما بين بيت الوسط والمختارة أمل شعبان التي فتح ملفها وزير التربية المحسوب على جنبلاط، عباس الحلبي. اكتفى جنبلاط بزيارة الضريح.
المكوِّن الثالث في القطيعة رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل، واقتصار زوار بيت الوسط، من التيار، على النائب آلان عون، أما نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، فزيارته بهذه الصفة في موقعه النيابي، زيارة آلان عون ترجِّح معلومات أن لا تمر بسلاسة لدى قيادة التيار، علماً أنّ الرئيس السابق العماد ميشال عون اتصل بالرئيس الحريري.
الأيام المعدودة للرئيس الحريري في بيروت، أسَّست لشيء ما لا يمكنه أن ينضج إلا بعد إنجاز استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، فالرئيس الحريري زعيم من دون كتلة نيابية، وهذه حالة فريدة في تاريخ العمل السياسي اللبناني، فكيف يُكمِل اللوحة بأن يصبح رئيساً لكتلةٍ نيابية؟ هل من خلال إجراء انتخابات نيابية مبكرة؟ ام من خلال انتظار أيار 2026؟
رمى الرئيس سعد الحريري حجراً في المستنقع الراكد للسياسة اللبنانية، ولكن ماذا عن»اليوم التالي»؟ لا جواب من بيت الوسط، فالسكوت من الآخرين، ليس دائماً علامة رضى.