احتلّ الرئيس سعد الحريري المشهديْن السياسي والإعلامي لأيام كانت حافلة باللقاءات والزيارات، وبالتجمع الشعبي أمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم غادر أمس الأول الأحد كما أسرّ عند وصوله إلى بيروت إلى أقرب المقربين. لا تمديد للزيارة ولا عودة عن قرار الانسحاب من الحياة السياسية، ولا تغيير في المعادلة التي أملت انسحابه، وهو خير العارفين بأنه لن يعود إلا بعد تأمين ظروف العودة.
كان الحشد أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري معبّراً. فالرئيس الحريري حاضر وموجود، وقاعدته تأثرت لكن ليس إلى درجة القول إنّه بات خارج معادلة الزعامة السنية. ما كان واضحاً أنّ الجمهور لم يكن مشابهاً لجمهور 14 آذار التقليدي. لا حضور كثيفاً من بيروت، ولا حضور خارج إطار الطائفة السنية، وهذا طبيعي بعد الغياب والنكسات المتتالية، لكن الأبرز ظهور الرئيس الحريري عبر قناة «الحدث»، وهو ما تمّ تفسيره على أنّه تخفيف للضغط السعودي، والدقة في ذلك أنّ السعودية تركت على الرغم من غياب سفيرها وليد البخاري عن بيت الوسط، المجال واسعاً، كي تكون هذه الزيارة مختلفة عما سبق.
لم تختلف القراءة السياسية للرئيس الحريري، عن مرحلة العام 2009. بعد تلك الانتخابات، خرج ليروج للتسوية التاريخية، التي برأيه هي المعبر إلى تجاوز مرحلة انتقالية صعبة، لا قدرة فيها للقوى المناهضة لـ»حزب الله» على الصمود، الا بشراء الوقت، والتناغم مع ميزان القوى الذي لا يميل لمصلحتها. بعد العام 2009، التقى الحريري مع العماد ميشال عون في روما، ثم جنح إلى تسوية رئاسية بشروط «حزب الله»، أدت في النهاية إلى وقوع السقف فوق رؤوس اللبنانيين، بعدما تحولت الدويلة إلى دولة، وبات المطالبون بالدولة، دويلة معزولة لا تملك الّا ترف إصدار البيانات والتنديد.
قراءة الرئيس الحريري لتوازنات القوى في المنطقة، بات يمكن تلخيصها بالآتي وهو لم يخفِها:
أولاً: إيران في موقع الرابح في المنطقة، وهي تحتفظ بأوراق قوية، وستكون لاعباً مقرراً، يؤثر في كل التسويات وفي كل الملفات.
ثانياً: الأكثر حكمة في لبنان هو الاتجاه إلى تسوية تؤدي إلى انتخاب رئيس، لأنّ هذه التسوية ستُملي على «حزب الله» الانسجام مع نمط المؤسسات، وستكون لصالح الدولة اللبنانية، وأياً كان اسم هذا الرئيس فلا يهم، لأنّ المهم أن لا يطول الشغور.
ثالثاً: الخوف على المسيحيين وموقعهم في المعادلة سيكون أكبر إذا طال الفراغ، ومن الحكمة أن لا تساهم القوى المسيحية في إطالة الفراغ، وأن لا تتسبب به.
رابعاً: الملف اللبناني غير موجود على طاولة أيّ دولة عربية مؤثرة، وحري باللبنانيين أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن يسبقوا التعطيل بعقد تسوية رئاسية.
سعد الحريري لا يزال على قناعاته وقراءاته التي دفعته إلى انتخاب الرئيس ميشال عون. أمّا المرشح الجديد غير المعلن، فهو الذي تمت استضافته إلى العشاء في بيت الوسط، وللتاريخ أن يقول كلمته في صوابية هذه القراءة أو في خطئها.