زيارة زعيم المستقبل إلى بيروت كشفت واقع الفراغ السلطوي والسياسي عموماً والسنِّي على وجه الخصوص
في خلاصة تقويم زيارة زعيم تيار المستقبل سعد الحريري إلى بيروت، لمناسبة إحياء ذكرى استشهاد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري التاسعة عشر، والتي امتدت لاسبوع كامل هذه المرة، وما تخللها من مشاركة شعبية،ولقاءات سياسية طوال وجوده، أكثر من دلالة ومؤشر اولها، هشاشة الواقع السياسي العام في البلد،وحالة التخبط والفوضى التي يعيشها لبنان، جراء تردي الاداء السلطوي، والفشل بمعالجة الأزمات المتتالية، واستكانة الطبقة السياسية لممارسات وارتكابات مصادرة القرار اللبناني، لصالح إيران بالداخل والجنوب تحديدا، والزج بلبنان في مواجهات وحروب، غير مبررة وطنيا، وتلحق به اضرارا وتداعيات خطيرة، على وحدته وامنه ومستقبله.
ثانيا، تحسس شرائح واسعة من اللبنانيين بالخلل السياسي، الذي تركه تعليق الحريري لعمله السياسي، وغيابه عن الساحة السياسية الداخلية والخارجية، وانقلاب التوازنات السياسية لصالح اطراف دون الاخرى، وامالهم بامكانية عودته إلى المشاركة السياسية الفاعلة،لإعادة التوازن السياسي المفقود، ولعب دوره في انتظام اللعبة السياسية، والمساهمة في انقاذ لبنان من ازماته ومشاكله المتعددة.
ثالثاً، حاجة الساحة السنيّة للزعامات والقيادات السياسية المؤهلين، لملء الفراغ الذي تركه الحريري، بغيابه عن ممارسة العمل السياسي ووجوده بالخارج،بعد فشل كل محاولات الداخل والخارج استنساخ زعامات بديلة، بالدعم السياسي والمادي،في حين لم تفرز الانتخابات النيابية الاخيرة، سوى نواب محدودي القدرة والتأثير،ولم يستطع اي منهم استغلال الفرصة، التي اتيحت له لإثبات قدرته على تولي الزعامة ولعب الأدوار السياسية المؤثرة في مقاربة الازمات والمشاكل التي تعصف بلبنان حاليا.
رابعا، رغبة العديد من الاطراف السياسيين، بعودة الحريري لممارسة عمله السياسي،لإعادة ترميم علاقتها المتصدعة معه،ولاسيما المعارضة منها، بفعل انقلابها على التفاهمات والتحالفات المعقودة معه بالمرحلة الماضية، بعدما وجدت نفسها منعزلة وعاجزة عن صياغة تحالفات مع قوى او زعامات بديلة او رديفة، وغير قادرة على لعب دورها الطبيعي، او التأثير بفاعلية باللعبة السياسية الداخلية.
هذه الوقائع كانت حاضرة في يوميات الحريري السبعة في بيروت، وكان حريصاً على التكتم التام، قبل أن يرد على تساؤلات الراغبين بمعرفة موعد انهاء تعليق عمله السياسي، بالاجابة بعبارة «كل شي بوقته حلو»، وهي تحمل في مضمونها أكثر من معنى، في حين يظهر جليا ان انتظار انقشاع كارثة الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزّة وتاثيرها على المنطقة ككل ولبنان تحديدا، احد أسبابها.
الواضح أن زعيم تيار المستقبل، سيأخذ وقته الكافي ويراجع بتمعن أثناء وجوده بالخارج، كل ما خلصت اليه زيارته لبيروت هذه المرة بكل ما رافقها من كل النواحي، قبل أن يتخذ قراره النهائي بالعودة لمزاولة عمله السياسي.
ولكن لا يمكن إنكار أن هذه الزيارة، تختلف عن سابقاتها، وكان وقعها ايجابيا على ملامح الحريري بوضوح، وقناعته بأن غيابه عن الساحة السياسية الداخلية لم يعد مفيدا،بعدما لمس بوضوح رغبة الناس والعديد من القوى والاطراف السياسيين، مطالبته بالعودة النهائية،وإن كانت بعض الأسباب والوقائع التي استوجبت تعليق عمله السياسي، مازالت قائمة، بل تفاعلت أكثر من السابق، والصعوبات زادت ايضا،ولكن عودته ومشاركته بالحياة السياسية أصبحت أكثر من ضرورية ، للمساهمة مع الاطراف السياسيين، باخراج لبنان من مأزق الازمات المتراكمة والمتعددة الاوجه وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية، واعادة الانتظام والنهوض بمؤسسات الدولة عموما، وحل الازمة الاقتصادية الضاغطة وغيرها.
ما يمكن ملاحظته بوضوح من زيارة الحريري لبيروت، بأنها رسمت الخطوة الاولى والاساسية لعودته النهائية إلى لبنان، وإن كانت مرتبطة بمسار التطورات المستجدة جنوبا، ومفاعيل التفاهمات والاتفاقات التي تُرسم على وقع اطلاق الصواريخ ونار المسيَّرات على جانبي الحدود الجنوبية في الداخل اللبناني، وقد لا تكون في وقت قريب ولكنها ستكون بحكم المرتقبة قبل حلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة على ابعد تقدير، إن لم يكن قبلها، لأن الانتخابات محطة اساسية، لإعادة إثبات الوجود السياسي وتكوين كتلة نيابية قادرة على القيام بالدور المطلوب منها تشريعيا ودعم التوجهات والسياسات التي ينتهجها رئيسها في مسيرته السياسية.