لا شك في انّ المكوّن السنّي في لبنان تعايش مع سياسة الاعتدال، حين تولى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مسؤولياته، اذ برزت هذه السياسة وإستبعدت الافكار المتشدّدة، فكان إنفتاح في إتجاه معظم الافرقاء والاحزاب، كما كانت للطائفة السنيّة كلمتها في القرار، لكن وفي ظل غياب الحريري عن الساحة السياسية لأسباب عديدة ومعروفة، باتت الازمات تتوالى في الشارع السنّي مع عودة الفكر الاسلامي المتشدّد، وهذا ما نشهده في معظم المناطق السنيّة وإن بصورة خفية، حيث تكثر المجموعات المسلّحة التي تتولى استقطاب الشبان في المناطق الفقيرة، بهدف الإنضمام اليها مُقابل مبالغ مالية كبيرة جداً، وتحت عنوان واحد يلعب على وتر مخيف، وهو الغبن المذهبي بصورة خاصة، إضافة الى زرع أفكار التطرّف والحقد، وما يساعد على إستغلال هؤلاء الشبان الفقراء، هو ترديّ الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والبطالة في لبنان، فيستجيب المحتاجون لهؤلاء تحت عنوان الجوع والحاجة، في ظل غياب اي بادرة امل لتحسين ظروفهم.
اما سياسياً، فالإنقسام بات سائداً بين المكوّن السنّي، فهنالك المعارضون والموالون والتغييريون والى ما هنالك، فيما كانت الاغلبية مؤيدة لسياسة الحريري وتياره الازرق.
امام هذا الواقع، ثمة هواجس ومخاوف من غياب هذه الصورة، التي إتجهت منذ تعليق الحريري لعمله السياسي في كانون الثاني 2022، رافضاً خوض الانتخابات النيابية حينذاك، مكتفياً بالعودة الى لبنان في ذكرى إغتيال والده كل عام في 14 شباط، ومنذ ذلك الحين والإحباط يرافق جمهور تيار” المستقبل” والى تفاقم، وكان قد بدأ مع اسـتقالة الحريري على وقع انتـفاضة 17 تشرين 2019، بالتزامن مع تداعيات وخلافات سياسية، الامر الذي جعل كوادر تياره وكل من يُؤيّدهم من اهل الطائفة السنيّة، يُعبّرون عن إحبــاطهم وتشتتهم، ويدعون الى تصحيح المفاهيم السياسية، وسط جمود كبير في تحركهم، حتى كادوا يصبحون منسيّين سياسياً، حيث لا نواب ولا وزراء بل صمت سياسي، بإستثناء بعض المواقف الخجولة التي يعبّر عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الى ذلك وإنطلاقاً من كواليس “المستقبل”، يأمل نائب سابق عودة الرئيس الحريري نهائياً الى لبنان، وبدق ناقوس الخطر السنّي وإطلاق المواقف وشدّ العصب، لانّ غيابه يعني غياب اكبر تيار سياسي يمثل اهل السنّة، الامر الذي يرفضه جمهوره، مُذكّراً بأنّ تيار” المستقبل” كان الأكثر جماهيرية على مستوى لبنان، اذ كان يُساهم بنسبة كبيرة في التشكيل والتعييّن وتسمية الوزراء والمدراء السنّة، إضافة الى دوره الخارجي بين لبنان ودول القرار، لكن نهجنا الذي يسوده الخط الوسطي، فهمه الطرف الآخر وكأنه الخوف والضعف السياسي، فيما هو يتماشى مع طبيعة لبنان السياسية والتي تتطلب ذلك. ورأى انّ البعض يحاول ويعمل بجهد كبير لأخذ مكانه السياسي، الامر الذي يكاد يكون من المستحيلات، لانّ اهل بيروت لا يقبلون بغيره زعيماً لهم.
في السياق أشارت مصادر بيت الوسط الى ان عودته تقترب ولا يمكننا ان نقول اكثر من ذلك، في إنتظار ما ستحمله الظروف والمساعي، الامر الذي سيعيد صخب بيت الوسط، وزخم الطائفة السنيّة وتيار المستقبل من جديد الى الساحة اللبنانية وبقوة، بحيث تكثر الدعوات والمطالب الشعبية لهذه العودة، ليس فقط من أهل السنّة بل من مجمل الطوائف، بسبب سياسته القائمة على الانفتاح والوسطية، لانّ الهواجس تتفاقم من سيطرة سياسة اخرى مغايرة، والمطلوب لمّ الشمل السنّي وإزالة التشرذم وتصحيح الخلل في التوازن الوطني، وملء فراغ الساحة ، لأنّ الواقع أكد أنّ الرئيس الحريري قادر على ترتيب البيت الداخلي، والأشهر المقبلة كفيلة بتوضيح ذلك.