Site icon IMLebanon

الحريري الراضخ لـ”الثنائي الشيعي”… يتحامل على المسيحيين

 

لا شكّ أن تحميل الرئيس سعد الحريري و”الحريرية السياسية” وحدها مسؤولية الأزمة التي تضرب البلاد ظلم وإخفاء للحقيقة، وبالتالي فان الحريري الذي يرفض المظلومية لا يستطيع أن يُحمّل الطرف المسيحي عرقلة مسيرته الحكوميّة.

 

صحيح أن الوقت ليس للمناكفات بل لقيادة مسيرة الإنقاذ، إلاّ أنه لا يمكن أن تمرّ مقابلة الحريري على قناة “أم تي في” مع الزميل مرسيل غانم مرور الكرام، خصوصاً انه صبّ جام غضبه على الأطراف المسيحية وإنتقد بطريقة مبطّنة دور البطريرك الماروني.

 

ويقرأ كثر في كلام الحريري وإعتبار نفسه مرشحاً طبيعياً لرئاسة الحكومة أنه أبرم صفقة مع “الثنائي الشيعي” على رغم مهاجمته له بطريقة خفيفة، وإذا كان حسب إعترافه بأن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط لا يريدونه في رئاسة الحكومة، فهو يسير بلا رضى الأغلبية المسيحية والدرزية ويتكل فقط على عضلات “حزب الله” وحركة “أمل”، أي إنه ينسف “إتفاق الطائف” الذي يقوم على التوافق بين جميع المكونات اللبنانية.

 

وفي معرض الحديث عن إستبعاد القوى المسيحية، فان التجارب تُعلّم أنه لا يمكن لأحد إستبعاد أي مكوّن، فالرئيس الشهيد رفيق الحريري وخلال حقبة الإحتلال السوري، تمكن من الحكم لكن ليس تحت سقف الوفاق الوطني والمصالحة الوطنية لأن المسيحيين كانوا خارج السلطة، فجعجع كان في السجن والعماد ميشال عون في المنفى، وكانت بكركي رأس حربة في المعارضة، ولم تنجح سياسته بتعيين مسيحيين تابعين له في كسب العطف المسيحي حتى لو احترم منطق المناصفة المشروطة بالإتيان بجماعته وأتباع الوصاية.

 

بالأمس عاد الحريري ووقع في الخطأ نفسه، وغلب منطق التنازلات للدويلة بحيث أثبت أنه يدمر الدولة ولا يحمي الشعب كما يدّعي.

 

وبالأمس أيضاً رضخ الحريري لمطلب “الثنائي الشيعي” بالإحتفاظ بوزارة المال حتى لو قال لمرة واحدة، وهنا يُطرح سؤال جوهري وكبير، لماذا يتنازل الحريري لـ”حزب الله” و”أمل” ويريد إستبعاد باسيل و”التيار الوطني الحرّ” عن أي حكومة، فأين الميثاقية في طرح الحريري؟

 

وبما أنه يتحدث عن حكومة إختصاصيين، فلماذا يشارك “الثنائي الشيعي” في تسمية الوزراء الشيعة ولماذا يرضى بفرض شروط الثنائي، ولماذا يستضعف الحريري المكوّن المسيحي؟ ولماذا يضرب دستور “الطائف” الذي ترك أهم صلاحية لرئيس الجمهورية وهي التوقيع على مرسوم تأليف الحكومة؟

 

لا شكّ ان وحدة المعايير هي الأساس، ومعروف أنه من العام 1990 إلى 2005 كان المكون المسيحي الحقيقي خارج السلطة، أي إنه لا يتحمل وحده مسؤولية الإنهيار، وبالتالي فان محاولة الحريري إستبعاد “التيار الوطني الحرّ” بعد رفض “القوات اللبنانية” المشاركة في أي حكومة تكنوسياسية فيه ضرب للميثاقية، فوحدة المعايير تطبّق على الجميع بمن فيهم “الثنائي الشيعي”، ولا يجوز تحميل كل ما يحصل لـ”التيار الوطني الحرّ”.

 

وما يثير أكثر إستغراب الأوساط المسيحية هو تحميله الخلاف بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ” مسؤولية عدم قدرة حكوماته على الإنتاج، متناسياً دور “حزب الله” التعطيلي من 2005 حتى يومنا هذا، وكأن تجربة الحلف الرباعي تعود وتمثل من جديد عندما تم ضرب “ثورة الأرز” باستبعاد المكون المسيحي وتقاسم الحصص بين السنة والشيعة.

 

وبما أن الإنتخابات النيابية هي الأساس، لا يمكن للحريري المرور على نتائج آخر إنتخابات التي أعطت “القوات” و”التيار” الأغلبية، وبالتالي فان محاولاته الإشادة برئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل وحديثه عن مرشحه السابق للرئاسة سليمان فرنجية لا تشكل خشبة خلاص مسيحية له لأن الشعب المسيحي إختار ممثليه، وعندما يتغير هذا الامر في الإنتخابات المقبلة فلكل حادث حديث.

 

في معرض حديثه عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان “لطش” الحريري الراعي من دون أن يسميه، معتبراً أن المفتي لا يتدخّل في السياسة مثل بقية المرجعيات، متناسياً انه كان من الاوائل الذين صعدوا إلى بكركي لتأييد موقف الراعي الداعي إلى الحياد وفك أسر الشرعية، وأظهر الحريري في كلامه أن البطريرك يتدخل بالتفاصيل ويوتر الوضع بينما الحقيقة أن سيد الصرح طرح أفكاراً تنقذ البلد وتضع الإصبع على الجرح النازف، وهو إستنزاف الدويلة التي ترشح الحريري لرئاسة الحكومة للدولة.

 

لا شكّ أن مقابلة الحريري أثارت سخط المسيحيين الذين باتوا على علم أن عودته إلى الساحة تمرّ برضى “حزب الله” و”أمل”، وبدل أن يركز الانتقاد على العراضات المسلحة بين آل شمص وجعفر في البقاع وتفلت السلاح وحروب “حزب الله” الإقليمية، صبّ كل الإهتمام على عرض للكشافة في الأشرفية في ذكرى إستشهاد بشير الجميل، وبدا في ذلك متحاملاً على “القوات اللبنانية” من خلال تعميم فكرة التسليح والتخويف من الحرب الاهلية.

 

إتخذ الحريري خياره السياسي وفق مصلحته لكن ذلك لم يكن يجبره على تعميق الشرخ بل الطلاق مع حليفه الطبيعي المسيحي.