IMLebanon

الحاجة الى سعد الحريري

 

إستقال الرئيس سعد الحريري قبل نحو سنة من رئاسة الحكومة مُسَجّلاً أول وآخر استجابة من أحد أطراف الحكم لمطالب انتفاضة “17 تشرين الأول”. وكان سبق ذلك استقالة وزراء “القوات اللبنانية” من الحكومة، وتنظيم الحزب “التقدمي الاشتراكي” تظاهرة اعتراضية في الشارع. غير أنّ الحكومة المشلولة منذ زمن استمرّت موجودة الى أن قرّر الحريري أنّها باتت لزوم ما لا يلزم، وأنّ البلاد تحتاج سياسات مختلفة.

 

وفي حواره المطوّل مساء الخميس، والأول من نوعه بعد الإستقالة والتطورات الخطيرة التي أعقبتها، كان الحريري صريحاً وواضحاً الى حدّ اتهامه بعدم تدوير الزوايا مع من يُفترض أنّهم شركاء استراتيجيون في السياسة الداخلية، وعدم المساومة مع خصومٍ حمّلهم مسؤولية وصول البلد الى ما وصل إليه من تأزّم وضيق. وفي السياق، قال ما قاله عن فشل مشروع التسوية الرئاسية، في تبريره لانخراطه فيه ثمّ في الأسباب التي قادت الى إحباطه.

 

كان سياق الحوار كفيلاً بإيصال صاحبه الى احتمالات عدّة منها:

 

أولاً، إعلان اليأس من العمل السياسي بعد تسمية المسؤولين عن الفشل، وهو لم يقصِّر في ذلك، ومن ثمَّ الانسحاب…

 

ثانياً، الإنطلاق من تحديد المسؤوليات لفتح معركة سياسية شرسة. الا أنّ الحريري الذي يخشى حروباً داخلية، أكّد رفضه القاطع للسلاح، وبالتالي ابتعد عن هذا الخيار.

 

ثالثاً، العودة الى مبادرة ماكرون والتمسّك بثوابتها، في البرنامج الإقتصادي المالي، وإعادة إعمار بيروت، وفي قيام حكومة إختصاصيين تتولّى تنفيذ هذا البرنامج بما يتطلّبه من مفاوضات مع صندوق النقد الدولي والهيئات والدول المانحة.

 

إعتمد الحريري هذا الخيار الأخير، وألحَّ عليه، بالرغم من التجربة الفاشلة التي قادت مصطفى أديب الى الإعتذار. وبدا بالرغم من التحليلات المتراكمة، إثر الإعلان عن اتّفاق الإطار للتفاوض مع اسرائيل، والدعوات الى حكومة لون واحد تستنسخ حكومة حسّان دياب، واثقاً من أنّ لا مخرج غير تنفيذ المبادرة الفرنسية حرفياً.

 

بهذا المعنى، لم يُضِفْ الحريري جديداً، وبدا كأنّه يراهن على رغبات وحاجات اللبنانيين، أكثر ممّا يراهن على قوى سياسية وطائفية أفشلت المبادرة التي أعاد إحياءها مُتمسّكاً بها. وكان يمكنه الذهاب بعيداً في اقتراح أشكال تنفيذها، من طبيعة رئيس الحكومة المفترض إلى طبيعة الوزراء المتخصّصين. إلّا أنّه هذه المرّة، طرح نفسه رئيساً لحكومة تتولّى تطبيق اتفاق قصر الصنوبر، بعدما كان أعلن مراراً انّه غير مرشّح الى هذا المنصب، منذ استقالته منه قبل عام.

 

ومن دون شكّ، إنهّا خطوة جريئة قد تُغيّر مسار الأحداث في حال تحقّقها، وقد تتحوّل جرعة سمّ أخرى، لم يتهرّب الحريري من مثيلاتها كما أعلن غير مرّة.

 

بهذا المعنى، فإنّ البلاد أمام أسبوع حاسم يسبق الاستشارات لتكليف رئيس جديد للحكومة. والقارئ في سير الأحداث يُمكنه الإستنتاج بأنّ ترشيح الحريري لقيادة حكومة المبادرة الفرنسية الإنقاذية، ليس بعيداً في الزمن عن انطلاقة التفاوض اللبناني ـ الإسرائيلي برعاية الثنائي الشيعي، وإشراف أميركا. وفي النهاية، سيحتاج تفاوض الجنوب الى رعاية وموافقة رئيس حكومة قوي، قد يغني ثنائي التفاوض عن لازمة الحكومة التكنوسياسية، وإغراء تركيبة اللون الواحد.