عون يحبط اللبنانيين بتأجيل موعد الاستشارات الملزمة ويضع الرئاسة في موقع إعادة التشكيل
منذ ان طرح الرئيس سعد الحريري مبادرته لإنقاذ لبنان على أساس تنفيذ المبادرة الفرنسية كما هي، أوجد واقعاً جديداً تمثل بكسر حالة الجمود السياسي الذي زاد من وطأة الأزمة المتدحرجة وضغوطاتها الاقتصادية والمعيشية على اللبنانيين، ووضع جميع المسؤولين بالسلطة والسياسيين الفاعلين امام مسؤولياتهم للتعاطي مع الطرح الجديد انطلاقاً من تأكيداتهم بالاستمرار في تأييد ودعم المبادرة الفرنسية، والاهم من كل ذلك ان مبادرته الإنقاذية اعطت الأمل للمواطن اللبناني أينما كان بإمكانية وجود فرصة فريدة ومؤاتية لإخراج لبنان من ازمته إذا تمّ التعاطي معها بانفتاح ومسؤولية من قبل جميع الأطراف وتسهيل تنفيذها بلا عراقيل أو وضع عصي بالدواليب كما حصل مع تحركات ومحاولات سابقة.
الطرح الانقاذي للرئيس الحريري فاجأ الكثيرين، بالوسط السياسي والشعبي على حدٍ سواء لأنه لم يكن متوقعاً ان يندفع بهذا التوقيت الصعب والمعقد الذي يعيشه لبنان لطرح مبادرة على هذا المستوى بعد التعثر في تنفيذ المبادرة الفرنسية والذي نتج عنه اعتذار رئيس الحكومة المكلف سابقاً مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة المرتقبة وانكفاء جميع القوى السياسية عن تقديم أي بديل مقبول يخرج لبنان من ازمته.
أظهر الرئيس الحريري من طرحه للانقاذ على أساس المبادرة الفرنسية جملة أمور مهمة لا بدّ من الإشارة إليها للدلالة على ابعادها ومؤثراتها وفي مقدمتها الجرأة على تحمل المسؤولية والمبادرة لإنقاذ لبنان حيث يتطلب الأمر ذلك بالرغم من حالة التباعد التي تحكم علاقته مع رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي جرّاء سلسلة الممارسات المعيقة لانطلاقة الحكومتين السابقتين والعراقيل التي افتعلت عن عمد لمنع الإصلاحات في كافة القطاعات وقطع الطريق على تنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان وتسهيل سبل إعادة العافية إلى الاقتصاد عموماً والنهوض بالوطن نحو الأفضل.
الحريري حشر جميع الأطراف لاستكشاف نواياهم أمام كل اللبنانيين
الأمر الثاني، الرد على كل ما يقال ويروج كذّباً، بأن الرئيس الحريري يتهرب من تحمل المسؤولية في حمأة هذه الأزمة المستعصية، واظهاره عكس كل ما يدعيه خصومه السياسيين زوراً لتشويه سمعته، والتزامه بتحمل المسؤولية بإصرار قوي وعزيمة حيث تتطلب الظروف الصعبة ولو كان الأمر يتطلب التضحية الشخصية منه في سبيل إنقاذ الوطن خلافاً لمعظم المسؤولين الآخرين.
الأمر الثالث، حشر جميع الأطراف السياسيين والمسؤولين في كل المواقع السلطوية لاستكشاف نواياهم الحقيقية وتجاوبهم الفعلي بملاقاته في مبادرته الإنقاذية امام كل اللبنانيين.
ما حققه الرئيس الحريري في مبادرته التي طرحها جهارة وبكل وضوح امام الرأي العام بعد قرابة أكثر من أسبوعين هو إعادة آلية تشكيل الحكومة الجديدة إلى الدوران من جديد باتجاه التشكيل بعد توقف ظهر لوهلة ما بأنه مفتوح وبلا أفق محدد، والاهم من كل ذلك انه أعطى الأمل للناس أينما كان بوجود شخصية سياسية وشعبية تتحمل مسؤولياتها الوطنية بكل اندفاع لإنقاذ لبنان من الانهيار بالرغم من صعوبة الأوضاع وانكفاء الكثير من السياسيين عن ممارسة دورهم في هذه المهمة الصعبة والاكتفاء بدور التفرج على معاناة النّاس.
ولعل ردود الفعل المريحة وتساؤلات المواطنين على الصدى الإيجابي لطرح الرئيس الحريري للانقاذ وإعلانه لتحمل المسؤولية بترؤس الحكومة الجديدة والتجاوب المريح للقطاعات على اختلافها والرغبة المؤاتية لتوليه مثل هذا الدور، أبلغ دليل على منسوب الثقة التي يوليها هؤلاء جميعاً وتوقعاتهم بقدرته على القيام بمهمة الانقاذ الصعبة في زمن الانهيار، استناداً لموقعه وعلاقاته بالداخل ومع الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات المالية الدولية، وهي الثقة التي اكتسبها بالفعل جرّاء تعاطيه الشفاف والصادق في سبيل إنقاذ لبنان من عثراته والنهوض به نحو الأفضل.
ولكن يلاحظ بوضوح ان اندفاعة الرئيس الحريري على هذا النحو وتبوؤه لتصدر مهمة إنقاذ لبنان على أساس المبادرة الفرنسية وإعلانه انه المرشح الطبيعي لتولي رئاسة الحكومة الجديدة انطلاقاً من كونه رئيساً لكتلة نيابية كبيرة وزعامته الشعبية لم يكن له وقع مريح لدى البعض ممن كانوا يفضلون بقاءه خارج المشهد السياسي والسلطوي، فبادروا إلى الايعاز لرئيس الجمهورية لتأجيل موعد الاستشارات النيابية الملزمة تحت حجج وذرائع غبّ الطلب لدى الفريق الرئاسي، لاعاقة تسميته رئيساً للحكومة المقبلة بعدما أظهرت مواقف العديد من الكتل والأطراف السياسية تأييده لتبوُّء هذا المنصب استناداً إلى المبادرة الإنقاذية التي طرحها.
ولكن في المحصلة النهائية، قد يستطيع هذا الفريق المأزوم ان يؤجل موعد الاستشارات لمرة أو أكثر ولكنه لن يستطيع التأجيل بلا أفق في النهاية، لا سيما بعد ان حاز الرئيس الحريري على الثقة الشعبية كما السياسية، قبل تسميته رئيساً للحكومة الجديدة وهي الثقة التي يفتقدها خصومه السياسيون الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في ممارسة السلطة وإدارة شؤون النّاس والبلاد طوال تمرسهم بالمسؤولية على مدى السنوات الماضية.