باعتقاد الرئيس الحريري والمحيطين به انه سيُسجل انتصاراً ملحوظاً إذا انتزع التكليف غداً من براثن الرئيس عون، وسيحظى بربح أكبر حين يجتاز بنجاح مخاض التأليف العسير، فيعود الى السلطة على حصان أبيض بعدما جافته مراراً وخذلته إبان ثورة 17 تشرين.
هو انتصار بالمقياس الشخصي وبالرغبة الجامحة في التخلص من فطام قسري عن أعلى مركز يمكن أن يتبوأه الحريري ويرى انه الأحقّ فيه، لكن الأهم من تسجيل الأهداف في جبران باسيل وإرضاء الطموح الذاتي هو سؤال الحريري لنفسه: هل أنا رجل مرحلة هي ربما الأسوأ في تاريخ لبنان، وهل أنا قادر على انتشال البلاد بتجربتي المريرة وبرافعة من سأشكل معهم الحكومة، وهم بنظر أكثرية اللبنانيين والأجانب من عتاة الفاسدين؟
لا أحد يشكك بالحجم التمثيلي للحريري و”التيار” و”الثنائي الشيعي” وسائر مكونات منظومة السلطة، فالكل انتخبوا بأصوات المواطنين وقد يعاود الناس اختيار معظمهم في اي اقتراع جديد، لكن مسيرتهم في السلطة على مدى خمسة عشر عاماً أو ثلاثين، على تفاوتها وتنوع مسؤولياتها، أوصلتنا الى وقائع لا دخل لها باتهامات أو بموقف سياسي: ديْن يقارب المئة مليار دولار وتبخر الودائع وانهيار الليرة، وصولاً الى تحول “البانادول” عملة نادرة يستحق من يحصل عليها علامات اعجاب وتصفيق، انتهاء بتفجير المرفأ الذي هو جريمة موصوفة ارتكبتها القوى العائدة الى الحكومة إهمالاً أو عن سابق تصميم.
يكرر الحريري التجربة مع الفريق نفسه. ومع رغبته في تشكيل حكومة اختصاصيين فإن رضوخه المسبق لشروط “الثنائي الشيعي” في اختيار الوزراء هو عيبٌ أصلي، ناهيك عن ولاء الوزراء الآخرين لمن يُغدق عليهم نعمة التوزير. ولنُسلِّم جدلاً بأن الحريري راجعٌ لقلب الصفحة ومنح الاقتصاد بعض الاوكسجين، فمِن حق اللبنانيين عليه الّا يدخل في التجريب. ويُفترض انه أذكى من الاعتقاد بأن الدعم الفرنسي والتقاطعات الاميركية – الايرانية، كفيلة بجعل شركائه في الحكومة يسيرون وفق ما يشتهي أو على الصراط المستقيم، عدا انه غير متفق معهم إلا على عناوين عريضة لا تتيح الإنجاز والإنقاذ وإن سمحت بالتكليف والتأليف.
قبل ان يَسكَر الرئيس الحريري باستعادة كرسي السراي من حسان دياب او مصطفى أديب وبفرض نفسه على أخصامه ومريديه، عليه اضافة كثير من الماء الى النبيذ، وفي ذلك مصلحة له ولمن يُمثل وللجميع. والجدية تقتضي ان يُجيِّر مكسبَه لكل اللبنانيين، فيأخذ أجوبة مسبقة وعلنية من شركائه حول موجبات المبادرة الفرنسية، لأن “العشرة بالمئة” التي يحتفظ بها “حزب الله” هامشاً للاعتراض هي مئة في المئة في الحساب الفعلي، وهي ثغرة تتسلل منها كل مكونات الحكومة للمحاصصة والمفاصلة والتعطيل.
سيكون الحريري واهماً لو اعتقد ان ثقة أهل السلطة كافية لحكومة مهمتها اتخاذ قرارات مصيرية في ظرف اقتصادي خطير. وقد يكتشف انه أخطأ في اعادة حكم المافيا بقفازات الاختصاصيين، لأن الثورة التي استقال تحت وطأتها قبل عام باقية بمشروعيتها السياسية والأخلاقية، وهي قد تتأخر لكنها راجعة بالتأكيد.