Site icon IMLebanon

ماذا لو لم يُكلّف الحريري؟

 

بدلاً من الاستقالة أو المُسارعة الى تأليف حكومة بالمواصفات المطلوبة داخلياً وخارجياً لوضع البلد على سكة الإنقاذ، أمام أزمة متفاقمة والذل الذي يعيشه اللبنانيون لتأمين لقمة العيش وتدمير مقوّمات البلد وتشويه صورته المالية والاقتصادية والسياحية والاجتماعية، تُجاهِر جهات سياسية عدة بأنّ «التعطيل قد يؤجّل الى التأليف بدلاً من التكليف».

منذ تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس يؤلّف الحكومة المقبلة من الخميس الماضي الى الغد، يلتزم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الصمت من دون أن يسحب ترشيحه، مع استمرار وضع العراقيل من القوى الرئيسة أمام تكليفه أو تأليفه الحكومة إذا كُلّف. فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أعلن عدم تسمية تكتل «لبنان القوي» الحريري، وأنّ حكومة اختصاصيين يكون رئيسها الاختصاصي الأول. وبالتالي، وضعَ باسيل عَرقلة جديدة أمام الحريري الى جانب عرقلة «الثنائي الشيعي» لتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، حيث أوصَل رئيس «التيار الوطني الحر» رسالة واضحة الى شريكه السابق في الحكومات، مفادها أنّ «حكومة اختصاصيين نكون جميعاً خارجها وأوّلنا أنت، أمّا حكومة برئاستك فلا يُمكنك أن تَثتثنينا منها».

 

ويلتقي حزب «القوات اللبنانية» مع «التيار الوطني» في عدم تسمية الحريري إنما لأسباب مختلفة، وأوضح رئيس «القوات» أمس أنّ عدم تسمية الحريري سَببه عدم الدخول في أي مبادرة مع الثلاثي الحاكم، «حزب الله» و»التيار الوطني» وحركة «أمل». أمّا «حزب الله» فصامت بدوره حتى الآن من دون أي تراجع عن موقفه لجهة الحصول على وزارة المال أو تسمية الوزراء الشيعة في الحكومة المقبلة.

 

بالنسبة الى عون، وعلى رغم أنّه كان أوّل من طرح تأليف حكومة تكنو – سياسية، إنطلاقاً من أنّ حكومة مستقلين مئة في المئة قد لا تحظى بثقة مجلس النواب وقد تفتقد الميثاقية الشيعية. وبالتالي، لن تتمكّن من العمل، إلّا أنّه يعتبر أنّ مضمون الحكومة أهم من شكلها ومن هوية رئيسها، بحسب مصادر مطّلعة على موقفه، وهو مع «حكومة قوية متضامنة بعضها مع بعض لكي تواجه الاستحقاقات التي تنتظر البلد، إن في موضوع ترسيم الحدود البحرية أو الاصلاحات أو مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي… وأن تكون حكومة قادرة تتمكّن من التعاون مع مجلس النواب، إذ إنّ الإصلاح يتطلب قوانين، وكلّما كان الجو سليماً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية كان الانتاج أفضل وأسهل».

 

في ظلّ هذه المواقف، هل إنّ فرصة الإنقاذ الوحيدة تتمثّل بتكليف الحريري فقط وفق ما يرى البعض، أم أنّ هناك حلولاً أخرى على الصعيد الحكومي؟

 

بالنسبة الى جهات سياسية معارضة، إنّ «الفرصة ليست فرصة أشخاص بل خيار، وهو حكومة مستقلة قادرة على إخراجنا من الأزمة بمعزل عن الشخصية التي ترأسها، إذ إنّ أي حكومة سياسية أو تكنو-سياسية مَسارها الفشل، وبالتالي الخراب». وتقول إنّ «الأساس هو الخيار والاتجاه وطبيعة الحكومة وهويتها. فإذا ترأس الحريري حكومة تكنو-سياسية ماذا يستطيع أن يبدّل وأي إصلاح سيحقق إذا سمّى كلّ فريق وزراءه؟». وإذ تعتبر أنّ «القوى السياسية لا تريد الاصلاح ولا تستطيع تحقيقه»، تؤكد أنّه «باستثناء حكومة مستقلة إنّ أي خيار مصيره الفشل»، مُذكّرةً بأنّ حكومات الوحدة الوطنية التي ضمّت جميع الأفرقاء فشلت، بل هي من أوصَلت البلد الى ما هو عليه، وأنّ حكومة اللون الواحد التي شكّلها الفريق الحاكم وترأسها حسان دياب فشلت بدورها». كذلك تعتبر جهات سياسية أخرى أنّ قوى السلطة تخوض الآن معركة وجودية، فأيّ انسحاب لها من الحكم قد يعني استحالة الرجوع في ظلّ ثورة اللبنانيين ومسؤولية هذه الطبقة عمّا وصل اليه البلد وسحب الثقة منها داخلياً وخارجياً. وانطلاقاً من ذلك، لن تكون مهمة تأليف حكومة مستقلين تماماً سهلة. وهنا، يأتي دور الرأي العام واللبنانيين و»الثورة» للضغط في هذا الاتجاه.

 

في المقابل، هناك وجهة نظر تعتبر أنّ المهم ليس أن يُكلّف الحريري فقط بل أن ينجح في تأليف الحكومة المطلوبة، وإلّا سنتجه الى مرحلة صعبة وخطرة جداً. وتؤكد جهات سياسية مطّلعة أنّ «الحكومة التي سيؤلفها الحريري إذا كُلّف بهذه المهة، يجب أن تحظى برضا المجتمع الدولي الذي نحن في أشد الحاجة إليه، سواء رَضي البعض أم لم يرضَ، إذ من دون حكومة بالمقاييس التي يطلبها المجتمع الدولي لن يدخل قرش الى البلد، ومن دون تدفقات مالية على شكل هِبات أو مساعدات أو استثمارات سيغرق البلد في حال من الفوضى».

 

في المحصّلة، إذا كُلِّف الحريري سيُواجه بمطالب الأفرقاء السياسيين، وقد يتمكّن من التأليف أو يُعرقَل، وقد يَرضخ لمطالب «الثنائي الشيعي» أو باسيل أو غيرهم أو يتمكّن من فرض الحكومة المطلوبة. لكنه، حتى الآن متمسّك بترشحه وبحكومة اختصاصيين مستقلين، ويحمل مشروعاً معيّناً برضا دولي، وبأن يؤلف حكومة بالمواصفات سمعها جميع القادة السياسيين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجهة أن تكون حكومة اختصاصيين غير حزبيين يعملون لـ6 أشهر، فيُجرون الإصلاحات اللازمة، ويضعون البلد على سكة الإنقاذ، وبعدها ليأتِ من يأتي.

 

أمّا عن اعتبار الحريري غير اختصاصي، وبالتالي لا يُمكنه استثناء أيّ من القوى السياسية من الحكومة المقبلة إذا كُلِّف تأليفها، وأنّه يجب تكليف شخصية من الاختصاصيين تكون مستقلة، تشير مصادر تيار «المستقبل» الى أنّ وجهة النظر هذه جُرّبت مع الرئيس المعتذر مصطفى أديب، ولم تنجح بسبب الإصرار على المحاصصة». أمّا نجاح الحريري في ما لم ينجح أديب في تحقيقه فمُمكن، بحسب المصادر نفسها، لأنّه يملك «قدرات وإمكانات وعلاقات ورضا دولي وداخلي، حيث أنّ سعر الدولار ينخفض عند طرح اسمه للتكليف. وانطلاقاً من موقع الحريري هذا قد تُسهَّل مهمته، لأنّ لديه قدرة لإجراء ما هو مطلوب أكثر من شخص غير معروف أو غير مُجرّب». وانطلاقاً من ذلك، سيسعى الحريري بعد تكليفه لتأمين ضمانة من جميع الأفرقاء السياسيين لدعم الحكومة لإجراء الإصلاحات المطلوبة، فإذا لم يقتنع هؤلاء ولم يضَحّوا لفترة زمنية محدودة لتسهيل تأليف حكومة بمواصفات ماكرون تأخذ رضا العرب والمجتمع الدولي، لن تتمكن الحكومة من الإنجاز، وسيتّجه البلد الى الخراب، وفق ما تقول المصادر نفسها.

ويرفض تيار «المستقبل» منطق أنّ رئيس حكومة اختصاصيين يجب أن يكون بدوره اختصاصياً، وتعتبر مصادره أنّ «هذا الطرح يُشكّل عرقلة فرصة إنقاذ للبلد لن تتجدد، على رغم التزام هؤلاء السياسيين بالورقة الفرنسية أمام ماكرون». وتقول: «هذا المنطق لا يَسري على المواقع الدستورية الثلاث، وإلّا فليكن كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب اختصاصيّاً كذلك»، مشيرةً الى أنّ «العادة دَرُجت على أن يتبوّأ هذه المراكز الدستورية الأفرقاء الأكثر تمثيلاً في طائفة كلّ موقع، خصوصاً مع مجيء الرئيس عون، فهل انتُخب رئيساً للجمهورية لأنه تكنوقراط أو عسكري أو لاعتبار أنّه الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين؟».