IMLebanon

الحريري “المكيافيلي”… مستعد لكل شيء!

وكأنّه القدر يخوض معركة ثأرية بحقّ اللبنانيين. إنّها “لعبة العرش” التي تعيد سعد الحريري إلى السراي الحكومي في الذكرى الأولى على انتفاضة 17 تشرين الأول، وبعد عام على التمام والكمال من خروجه طوعاً تحت وطأة ضربات الشارع. وكأنّه القدر يسخر من اللبنانيين. ها هي ضريبة “الستّة دولارات” التي تمنى كثر لو دفعوها، تكلّف اللبنانيين كل مدخراتهم واستقرارهم النقدي وأمنهم الاجتماعي، وتهدد دواءهم ولقمة عيشهم… وحتى الهواء الذي يتنفسونه بات جلّاد رئاتهم!

 

65 نائباً منحوا الحريري فيزا عودة لا تشبه أيّاً من تلك التي منحت له منذ دخوله المعترك السياسي. حتى الرجل لم يعد هو نفسه في سلوكه وأدائه وطموحه وفي الحصار السياسي والمالي الذي يعاني منه. خلاصة شبه وحيدة اختزلت مشهد الاستشارات النيابية: رئيس تيار المستقبل “يستقتل” لاستعادة لقب “دولة الرئيس” مهما كان الثمن أو الوسيلة. بدا “مكيافيليّاً” للعضم!

 

فعلاً لم يكترث أبداً للثمن السياسي الذي تكبّده، ولا إلى واقع أنّ تسميته استندت إلى سيبة ثلاثية لا رابع لها: الزعامة السنية، دعم الثنائي الشيعي، و”الديل” مع الحزب “التقدمي الاشتراكي”. أمّا غير ذلك، فلم يعد مهماً. وصل به الأمر إلى حدّ طلب “النجدة” من النائب أسعد حردان، والتسلل إلى بعض الكتل لسحب ما أمكن سحبه من أصوات قادرة على رفع “سكوره” المحاصر سياسياً لا عددياً.

 

هكذا، سيمضي في تأليف حكومته الرابعة التي سيقدّر لها أن تعمّر، بمقدار ما سيكون لبُنيان النظام أن يصمد بوجه مصير تدميره الذاتي على أيدي “أمرائه”. لا شيء يضمن أن يطوي صفحة حكومته مع انتهاء مهمتها، اذا نجح في إنهائها، كما قال في اطلالته الأخيرة حين اعتبر أنّها محددة بروزنامة سداسية الأشهر. وقد يبقى الحريري رئيساً للحكومة ويغادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا. احتمال لم يعد صعباً أو مستحيلاً.

 

يدرك جيّداً أنّ طريق التأليف وعرة ومتعرّجة، لكنه ما زال يعتقد أنّ عدم استسلام الإدارة الفرنسية لموبقات الطبقة السياسية وأساليبها الملتوية، قد يشكل نوعاً من الدعامة في اللحظات المصيرية لدفع حكومته العتيدة للخروج من عنق التعقيدات الداخلية. يقول المطلعون إنّ معاييره للتأليف هي التي ستحدد مدى تورط الادارة الفرنسية من جديد في الوحول اللبنانية.

 

بالنسبة لهؤلاء، فإنّ باريس لن تتخلى بسهولة عن رغبتها بالعودة إلى الشرق الأوسط. صحيح أنّ محاولتها الأولى أصيبت بانتكاسة قوية سرّعت في انكفائها إلى الصفوف الخلفية، لكنها لم تنسحب نهائياً، وفق تأكيد المطلعين.

 

فور عبوره معمودية التكليف، سارع رئيس الحكومة إلى التأكيد بأنه سيعمل على “تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، مهمتها تطبيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية، التي التزمت الكتل الرئيسية في البرلمان بدعم الحكومة لتطبيقها“.

 

هذا يعني أنّه حسم الجدل حول هوية حكومته. شطب احتماليّ الحكومة السياسية والحكومة التكنوسياسية. وحدهم الاختصاصيون مخوّلون ولديهم امتياز الجلوس الى طاولته. ما يعني لا مكان للحزبيين أو لحاملي البطاقات السياسية.

 

ورغم ذلك، يقول المطلعون إنّ هذا المعيار وحده غير كاف اذا ما كان الحريري يرغب في خطب ودّ الإدارة الفرنسية من جديد وطلب مساعدتها. لا بدّ من سير ذاتية لا تشوّهها لوثة فساد وتكون صاحبة اختصاص في المجال المسندة إليه. ولهذا يعتقد هؤلاء أنّ مشاركة القوى السياسية في التسميات ليس محرّماً، ويفترض أن تتشارك مع رئيس الحكومة في طرح الأسماء وتبادلها إلى حين الاتفاق على السلة الحكومية وفق مندرجات المبادرة الفرنسية. ما يسري على الثنائي الشيعي، سيتعمم على القوى المسيحية، وفي مقدمها رئاسة الجمهورية، خصوصاً وأنّ رئيس “التيار الوطني الحر” قد لا يغادر “صومعة حرده” بسهولة.

 

يشير هؤلاء إلى أنّ الفرنسيين لم يتركوا أرض المعركة اللبنانية، لكنهم يعملون بصمت وبكثير من الهدوء لئلا يتكبّدوا مزيداً من الخسائر، فيما يحاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اعادة برمجة آليات عمل خلية الأزمة، بعدما تأكد له أنّ بعض مكوناتها ارتكب أخطاء في سلوكه في المرحلة الماضية. ولهذا يُنتظر أن يكون للمبادرة الفرنسية أسلوب عمل مختلف يحمي باريس من الدعسات الناقصة. لكن الأكيد، سيكون للادارة الفرنسية رأي في ترشيحات حكومة سعد الحريري، والكثير من “الإشارات الحمراء” خصوصاً في ما يتصل ببعض الحقائب الأساسية.