مُلفتٌ هذا العناد في الإصرار على تكرار الأسطوانة ذاتها من دون إبداع ولا تغيير. وبالطبع، بكثير من السقطات التي تُطيح ما تبقّى من رصيد، وبخطاب متورّم بـ”الأنا” التي لا ترى شركاء بل آخرين، وظيفتهم أن يسهّلوا لمزيد من تورّم “الأنا” المدّعية عفّتها، وإلا يصبحون أعداءً لا هوادة في الحرب ضدّهم، عبر وسائل التواصل الإجتماعي فقط لا غير، وذلك بعد استنزاف واستنفاد للأسلحة كافة.
ومُلفت أكثر هذا التهافت وهذه الإستماتة في سبيل إستعادة الفردوس المفقود من خلال الإدمان على التعطيل. وقاتلٌ هذا الإنفصام، ومعه النكران والغباء الذي لا يزال يجد له زبائن في سوق المزايدات الممجوجة.
وإنتحار سياسي واضح وفاضح تغليب معادلة “من بعد حماري لا ينبت حشيش” على معادلة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.
فالانتفاخ آخرته الإنفجار. واللعبة لا تقتصر على العوامل الداخلية وإثارة الغرائز المتعلّقة بمصير المسيحيين إذا اتّفق المسلمون. بالتالي، من لا يجيد القراءة والمواءمة بين الداخل والخارج سيجد نفسه خارج المنظومة، لأنّ المتحكّم بها محشور، ولا تسمح له المتغيّرات الإقليمية بتلبية متطلّبات الجوع العتيق لمن يحسب أنّ لا مجال للإستغناء عنه.
والمتاجرة بالفساد لم تعد تؤتي ثمارها. فمن كان شريكاً فيها منذ عقد ونيّف لا يحقّ له إدّعاء النزاهة والعفّة. وضابط الإيقاع لن يسمح بعرقلة المسار، اذا حصل تضارب في المصالح. والإصرار على أنّ الموقف سياسي وليس شخصياً يبقى دنساً بلا حبل. فهو شخصيّ محض ومرتبط بـ”شو رح يطلع لي”.. وعندما “يطلع له” يرضى لكنّه لا يرتاح، لأنّه سيأخذ ثمّ يطالب بأكثر. تعوّد على ذلك، ولا علاقة للسياسة أو للدستور أو لحقوق الطائفة بالأمر.
فالمُطالب يريد، وفي زمن مختزل، أن يغنِم بقدر ما غنمه الآخرون بالتدريج المريح، لذا يَتعب ويُتعِب.
ربّما على “الزعلان” أن يفهم ما يدور حوله، فلا أحد سيسأله “زعلان ليه”؟ عليه أن يستوعب أنّ من سهَّل التكليف سيُسَهِّل التأليف ما دامت الإمتيازات محفوظة، وإلّا، لماذا تسابق الى التسمية من صنّفوا في خانة الخصوم، ولبّوا النداء وِفقاً للتعليمة؟؟
أليس في ذلك ما يدلّ على أنّ التكويع لا يضير من اخترع كتلاً هجينة وأكثريات متحرّكة، لأنّه قادر على فكفكتها متى استدعت ذلك ظروفه الطارئة الطالعة من التطورات الإقليمية والدولية؟
ربّما هذه المرة لن يجد “الزعلان” من يشلّ المؤسسات كُرمى لعيونه، أو يلبّي له مطالبه التعجيزية كما كان يحصل سابقاً. عليه أن يراجع فواتيره، وأن يرصد من يرصده وهو “يضع رجلاً في البور ورجلاً في الفلاحة”.. وأن لا يخطئ في حسابه، فمن يتحكّم بالمنظومة يتحكّم بفرض ما يريده.
وعليه أن يدرك أنّ انتظار الرئيس المكلّف على كوع التأليف قد لا يُثمر غلّةً، اللّهم الا ما يحفظ ماء الوجه… وليس أكثر. والأهمّ، أنّ كثيرين ينتظرونه هو على الكوع، والأسلم له أن يُكوِّع، لا أن يلعبها “صولد وأكبر”.
ويبدو أنّ التكويع هو الأرجح.