IMLebanon

الحريري ودَيْن أهل بيروت

 

لم يُطلق الرئيس الحريري في كلمته المقتضبة عقب التكليف سوى تعهّدين: تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وإعادة اعمار ما هدمته جريمة المرفأ.

 

وإذا كانت الأيام القليلة المقبلة ستُظهر هل العنوان الأول “كليشيه” يسقط مع التشكيل ومطالب المتحاصصين جرياً على ما قرِف من متابعته معظم اللبنانيين، فإن العنوان الثاني يحتاج الى توسيع وتأكيد التعهد الفعلي بعد اللفظي.

 

وإذ يُرجَّح ان انشغال الحريري في تقبُّل التهاني بكسره إرادة رئيس الجمهورية وصهره في جولة التكليف لم يُتِح له الاطلاع على تقرير “هيومن رايتس ووتش” عن مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، فلا بأس من تذكيره بقليل مما ورد فيه.

 

فالمنظمة الدولية المعنية بحقوق الانسان قالت صراحة أول من أمس انها مستاءة ومندهشة لنمط التحقيقات واصفة بدبلوماسية كل العملية بأنها “لا تتمتع بالمصداقية”. وبالعربي الفصيح فإن “هيومن رايتس” تقول: تحقيقاتكم “بلّوها واشربوا ماءها” وتحقيقات الأجانب عليها علامات استفهام ما يستوجب اللجوء الى تحقيق دولي نزيه.

 

إقرأ دولة الرئيس التقرير وتمعَّن بكلّ حرف فيه، وتذكَّر ان ما يفضحه ليس سوى تأكيد لقناعة عامة تشبه تلك التي دفعت اللبنانيين الى المطالبة بمحكمة دولية في جريمة اغتيال والدك الشهيد. وإذ ان الجميع مدرك اختلاف الظروف التي جعلت المحكمة حقيقة قائمة، فإن اللبنانيين لا يتوهمون القدرة على الوصول الى لاهاي في جريمة 4 آب، لكنهم يطالبونك بوقفة شجاعة تمنع التدخل السياسي في هذا الملف والضغوط المشينة التي تمارَس على القضاء، حسب التقرير.

 

دولة الرئيس، صرتَ عملياً في موقع المسؤولية. هذه مدينتُك، لكنها ليست مجرد بنايات وشقق وحجارة يمكن اعادة بنائها، بل هي أرواح وحيوات وذكريات دُمِّرت عمداً بفعل الإهمال أو القصد، والمرتكبون شركاؤك في السلطة والحكومة العتيدة وأزلامهم وزبانيتهم من رؤساء ووزراء ومدراء وقضاة وضباط وموظفين وسياسيين، وكلهم لهم أسماء، فلا يجوز لك غضَّ النظر عن موجبات منع حرف مسار العدالة وصولاً الى محاسبة المرتكبين وكل من عَلِم ومَن قال “كنت أعلم”.

 

لا تغرنَّك لعبة استعادة السلطة دولة الرئيس، لأن ما ستنجزه او ما تتخذه من مواقف أهم بكثير من تسجيل نقاط على الأخصام او إجادة تركيب تحالفات على وقع تقاطعات الإقليم. وباختصار، انت مَدينٌ للبنانيين، وهذا وقتُ رد الجميل. وأهل بيروت، وبالتحديد المنطقة التي استهدفها اجرام “نيترات الأمونيوم”، كانوا في طليعة المنتفضين ضد “النظام الأمني” الذي اغتال والدك الشهيد. حقُّهم عليك وأنت تستعيدُ الرئاسة الثالثة متعهداً بإعادة الاعمار إدراك ان محاسبة المجرمين مهما علا شأنهم أهمُّ بكثير من بيوتِِ مصيرُها اعادة الترميم.

 

دولة الرئيس، انت اخترتَ “ربط النزاع” منذ 15 عاماً وتعيدُ الوصْل مع من تتهمهم بجريمة 14 شباط. أما أهل بيروت فليسوا على استعداد للانتظار ولا يملكون قدرتك وصبرك وليس لديهم الحسابات نفسها. يريدون نزاهة التحقيق وأن يُفصَحَ تدريجاً عن مجرياته ويطاول الرؤوس قبل الأذناب، ولا يريدونك سافحاً للحقيقة على مذبح السلطة أو مجرّد شاهد زور… إنّه اختبار جَدّي ويتوقّف عليه مستقبل اللبنانيين جميعاً.