تأكّد ما كان يُخشى منه، أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري سيضع «ورقة التكليف» في جيبه الى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وليس لأنّ التوافق الداخلي غير مؤمّن بعد. حتى وإن كانت عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الثانية، أو وصول جو بايدن الى البيت الأبيض، لن يكون لأي منهما التأثير الكبير على تخفيف العقوبات الإقتصادية على لبنان. فترامب لن يُغادر منصبه قبل ثلاثة أشهر حتى وإن فاز بايدن، والقرارات والعقوبات المفروضة على دول الخارج غالباً ما تتخذها الإدارة الأميركية ويسير عليها ويطبّقها الرئيس المُنتخب.
وعمّا وصل اليه مسار تأليف الحكومة الجديدة، أكّدت مصادر سياسية مواكبة بأنّ الإيجابية تسود المشاورات بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية ميشال عون، على الرغم من أنّ العقد القائمة لم تصل الى الحلّ النهائي بعد، إن لجهة التوافق على حكومة من 18 أو من 20 وزيراً، أو لجهة اعتماد «وحدة المعايير» التي طالب بها «التيّار الوطني الحرّ»، وسط موافقة الحريري على إسناد وزارة المالية الى الطائفة الشيعية لمرة واحدة فقط، واعتماد مبدأ المداورة مع الطوائف الأخرى.
وتقول المصادر، أنّه لا يزال أمام الحريري الذي يزور بعبدا اليوم الأربعاء، نحو عشرة أيّام لإنجاز تأليف الحكومة، قبل أن تنتهي المدّة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بين 4 و6 أسابيع لتعويم المبادرة الفرنسية التي وافقت عليها جميع القوى السياسية، غير أنّها لم تلتزم بها في أدائها السياسي. وهذه الفترة تُعتبر كافية لتذليل العقبات، ما دام الحريري متمسّكاً بتنفيذ المبادرة، كما بعدم الإعتذار، وبتقريب وجهات النظر بينه وبين الرئيس عون وفق الدستور، كما بينه وبين الأحزاب التي ستُشارك في الحكومة، بشخصيّات من الإختصاصيين تصرّ على تسمّيها هي ويُوافق عليها الحريري وعون، على أن تكون غير حزبية.
هذا اللقاء السادس بين الرئيس المكلّف وعون من المرجّح أن يتناول الخوض في تفاصيل الأسماء والحقائب بعد أن جرى التوافق شبه النهائي على حجم الحكومة بأن تكون من 18 وزيراً بدلاً من 20 رغم أنّ عون يهمّه إرضاء رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال إرسلان، كما الطائفة الكاثوليكية بإضافة مقعدين على التوزيع الطائفي الأوّلي. وتساءلت ما الذي يمنع من أن يتمثّل إرسلان بوزير مسيحي، ما دامت كتلته تضمّ 3 نوّاب مسيحيين، فهل تُحلّ هذه العقدة من حصّة «التيّار»؟ كذلك لا بدّ من تذليل عقبة مطالبة رئيس «تيّار المردة» النائب السابق سليمان فرنجية بحقيبتين لكتلته في حكومة الـ 18 وزيراً.
وإذا كان من المسلّم أنّ الحكومة قد رست على 18 وزيراً وسط التكتّم الشديد على تفاصيل لقاءات عون- الحريري، فهل ستوافق الأحزاب المسيحية والسنيّة على مبدأ المداورة، إذا ما احتفظت الطائفة الشيعية بوزارتي المال والصحّة، وما الذي ستحصل عليه مقابل هذا التنازل؟ بعض المقترحات تجري خلال المشاورات، على ما يؤكّد المتابعون، على توزيع حقائب الصحّة والأشغال والطاقة والإتصالات في حال وافقت القوى الحاليّة على التخلّي عنها، وعلى بقاء حقيبة المال فقط مع الطائفة الشيعية وتحديداً مع «حركة أمل».. ويُرجّحون بأن تُسند الداخلية للموارنة، والخارجية للسنّة والدفاع للأرثوذكس في حال جرى التوافق على المداورة، فيما يحصل الحزب التقدّمي الإشتراكي على وزارة التربية، ويُعطى فرنجية وزارة وازنة غير الأشغال العامّة.
أمّا مبدأ المحاصصة الذي لا يزال متّبعاً في تشكيل الحكومة الجديدة، على غرار الحكومات السابقة، ما يعني بأنّ شيئاً لن يتغيّر، فتجد الأوساط نفسها بأنّ أي رئيس مكلّف سيكون محكوماً به، لكي تتمكّن حكومته من نيل الثقة في مجلس النوّاب. وهذا الواقع لن يتبدّل إلاّ في حال وافق السياسيون على عقد «مؤتمر تأسيسي» لتعديل كلّ الثغرات القائمة في الدستور، والتي أقرّت في مؤتمر الطائف في العام 1989، أي منذ 30 سنة.
وعن الترويج بأنّ الحكومة الجديدة ستُبصر النور غداً الخميس، رأت الأوساط بأنّ الأجواء الصادرة عن عون والحريري إيجابية، وقد زادها إيجابية تأكيد رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل بأنّه ليس الطرف الثالث في عملية التأليف. فما يهمّه، بحسب العارفين، هو الحصّة التي سينالها حزبه، مثل أي قوّة سياسية أخرى، وسط التأكيد على تسهيل التشكيل لإنقاذ المبادرة الفرنسية وبدء تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بهدف الحصول على أموال «سيدر» ودعم المجتمع الدولي للبنان. ولكنّها ليست على عِلم بأنّ كلّ العقد المستعصية قد حُلّت بشكل نهائي، علماً بأنّ حلّ إحداها ينعكس بشكل سريع على الأخرى.
فهل سيحمل الحريري اليوم الى الرئيس عون مسودة لتشكيلته أو تصوّر حكومي وسيُفضي اللقاء بين الرجلين الى حلّ عقدة حجم الحكومة، وعقد تمثيل القوى السياسية والتوزيع الطائفي فيها، لا سيما مسألة تمثيل القوّتين الدرزيتين (جنبلاط وإرسلان)، و«تيّار المردة» بحقيبة أو اثنتين، وبالتالي نوعية الحقائب التي ستُسند لكلّ مكوّن سياسي؟!