قبل الانتخابات الأميركية ساد تحليل ربط المسألة الحكومية بإجراء هذه الانتخابات واليوم حصلت هذه الانتخابات وفاز جو بايدن المرشح الديمقراطي، فما الذي تغير سوى أن البعض ذهب في قراءة مستجدة مفادها ان ولادة الحكومة سوف تتأخر حتى نهاية العام وذلك ربطاً باستلام الادارة الاميركية الجديدة لمهامها، في حين أن لا اساس واقعياً ومقنعاً لهذه القراءة وفق ما تؤكده المصادر السياسية المطلعة بل كان من المفترض أن تلتقط الاحزاب والتيارات السياسية فرصة الانشغال الاميركي بالصراع حول الانتخابات لإنتاج حكومة أقله بهدف إدارة الانهيار الحاصل في البلاد، والعكس هو الحاصل وكأن السياسيون في لبنان لا علاقة لهم بشعبهم وحاجاته وفقره وجوعه فانصرفوا الى التقاتل على الحصص وحسابات ما بعد إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون ولكن الى حينه من يضمن بقاء الجمهورية واللبنانيون فيها؟؟
على أن هذه المصادر لا تبني مواقفها بتأليف الحكومة بصورة حاسمة بهذه الاستحقاقات الخارجية إنما ينطلقون من قراءة كل طرف لموقعه وظروفه ومستقبله السياسي، فيما الناس جائعة، وعلى هذا الاساس يمكن فهم هذه العقد بوصفها تنازعاً مباشراً بين التيار الوطني الحر من جهة وتيار المستقبل من جهة أخرى، وفي خلفية أن العقدة الشيعية وضعت جانباً وتم الاتفاق على تفاصيلها بين الثنائي الشيعي والحريري في حين أن العقدة الدرزية باتت ملحقة بالتنازع بين المستقبل والتيار وليست عقدة قائمة بذاتها ، ومن هنا لا تعول هذه المصادر على قيام حكومة ترقى الى أدنى مستوى من المسؤولية حتى ولو تمت عملية تذليل العقد بكاملها، فالحسابات متعددة ومتنوعة لدى كافة الاطراف المرتبطين جميعهم حكما بالخارج.
على الرئيس المكلف سعد الحريري تضيف المصادر، ان يتصرف، ولديه قراءته لموقعه ودوره، فهو يعتقد بأن تجربة الخيارات المتعددة لتأليف الحكومة منذ استقالة حكومته بعد 17 تشرين الاول من العام 2017 افضى إلى نتيجة واحدة وهي حصرية تمثيله بوصفه خياراً لا مناص منه، فالمرحلة هي مرحلة الحريري أو لا أحد، ومن هنا بالذات يمكن أن يحصل بعض «الدلال» لدى الحريري لأن الآخرين من أصدقاء وأخصام باتوا يدركون هذه الحقيقة جيداً، لكن في المقابل عليه تحمل المسؤوليات دون التطلع الى حصص خاصة به وعدم مواكبة التصرفات الاميركية وفرضها للعقوبات على خصومه كي يسير بالتأليف بشكل أسرع.
وإذا كان الواقع على هذا النحو، فإن هذه الفرصة الحكومية قد تكون، وفق المصادر نفسها، فرصة الحريري الثمينة التي يجب أن يستغلها جيداً لإعادة ترميم قوة موقع الرئاسة الثانية في التوازنات اللبنانية المعقدة والتقاط اللحظة لإعادة رسم صورته كمنقذ واصلاحي، وكل ذلك يملي عليه ان يكون متشدداً فضلا عن محاولته إعادة ترميم شعبيته المتداعية في الشارع السني، وربما هذا ما دفعه إلى اعادة النظر بتوزيع الحقائب والمطالبة بوزارة الداخلية وطرحه ان تقتصر المداورة على الوزارات الخدماتية. اما التيار الوطني الحر فلديه أيضا قراءته لدوره والتحديات التي تواجهه، اذ ان السنوات الاربع الماضية كانت سنوات غير منتجة بفعل فاعل عن تحقيق اي من الوعود الكبرى التي بشر بها عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي عبرت عن نفسها بالانهيارات الاقتصادية والمالية وتعثر مؤسسات الدولة وسيادة حالة من اللااستقرار السياسي، لذلك يرى تكتل لبنان القوي حسب المصادر، أن امامه الفرصة الاخيرة في الثلث الاخير من ولاية الرئيس عون لإعادة امتلاك زمام الموقف وتأدية دور حازم في مواجهة التحديات الوطنية والحزبية القائمة وبالتالي، فان ما تقدم سوف يدفع النائب جبران باسيل ليكون متشبثا بمطالبه للحصول على حصة وزارية وازنة ودور فاعل في التشكيلة الحكومية العتيدة التي لا يضمن أحد في ألا تكون هي حكومة المرحلة المتبقية من العهد للاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة، وأن التيار يعي أن الحريري يريد إضعافه تمهيدا للحوار معه تحت الضغوط وان الرئيس المكلف يحاول جاهداً الاقتصاص من باسيل ومحاولة إزاحته من سباق المرشحين للرئاسة، وهذا الامر حتماً ليس في يد الحريري.
وكلام السيد نصرالله وضع حدا لمحاولة إستفراد التيار بل وضع التصريح الاخير لباسيل في خانة «الموقف الذي يبنى عليه إستراتيجيا»، من هنا عاد التشدد العوني للمطالبة ولو من خلال رئيس الجمهورية بحكومة من 20 او 24 وزيراً تمهيداً لتحقيق المنشود في عملية ملاقاة التطورات والتعويض عما فات ، وإذا كانت المشكلة حصرية بين المستقبل والتيار الوطني الحر يجب البحث عن حلول ما من دون الذهاب إلى أسباب مفسرة في واشنطن او باريس التي وصل موفدها باتريك دوريل إلى بيروت وبدأ لقاءاته في محاولة منه لانقاذ ما يمكن انقاذه من مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لكن حتى اللحظة لا تزال أجواء المراوحة والمكابرة تسود اتصالات التأليف، فالمشهد الحكومي يسوده شيء من الغموض بانتظارأن يبادر أحد الطرفين العوني او المستقبلي إلى التنازل للطرف الاخر .