IMLebanon

المراوحة المدمّرة!

 

مع دخول الثورة شهرها الثاني، ودخول استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري أسبوعها الثالث، يتابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سياسة «التريّث» في الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة (بإجرائها وبنتائجها في المناسبة)، مصراً على وضع العربة قبل الحصان، أي التأليف قبل التكليف، مسجلاً سابقةً خطيرة على كل المستويات الدستورية والسياسية والعملية.

 

يصادر رئيس الجمهورية بهذا السلوك صلاحية الرئيس المكلّف (أياً كانت هويته أو اسمه) والذي يعود اليه إطلاق المشاورات السياسية مع الكتل النيابية لتحديد حجم الحكومة وطبيعتها (سياسية، تكنوقراط، أو تكنو- سياسية، وهي بدعة جديدة بالمناسبة أيضاً)، وعدد وزرائها وأحجام التمثيل لهذا الفريق أو ذاك، على أن يتفاهم مع رئيس الجمهورية بطبيعة الحال الذي يوقّع معه مرسوم تأليف الحكومة.

 

عكس الرئيس عون قواعد اللعبة، فأخّر إجراء الاستشارات النيابية إلى حين تبلور التفاهم حول شكل الحكومة، وكيفية تكوينها وهويتها، وصار يفاوض (أو كلف من يفاوض باسمه) الشخصيات المحتملة لتولي المنصب، ضارباً بعرض الحائط ليس الدستور وروحيته فحسب، بل تجاوزهما إلى الأصول والأعراف والتوازنات السياسية.

 

ثم، هل أن منصب رئيس الوزراء اللبناني هو وظيفة تقليدية لكي يتم التفاوض مع الشخصيات التي يمكن ترشيحها لهذا الموقع قبل تكليفها، كمن يملأ استمارة عمل عند رئيس الجمهورية؟ هذه أيضاً من السوابق التي يجدر التوقف عندها. فرئيس الحكومة اللبنانية يرأس مجلس الوزراء الذي أصبحت السلطة التنفيذية مناطةً به مجتمعاً بعد اتفاق الطائف، والذي تحوّل إلى دستور سنة 1990. وبالمناسبة، إنه «الطائف» ذاته الذي يفاخر نواب تكتل «لبنان القوي» بأنهم يعدّلونه بالممارسة، أي أنهم عملياً يفاخرون بانتهاك الدستور الذي أقسم رئيس البلاد (ورئيسهم السابق) السهر على تطبيقه!

 

إن التذرّع بأن رئيس الجمهورية يتريّث بالدعوة إلى الاستشارات النيابية كي لا يصدر التكليف ويتأخر التأليف، يستوجب التذكير بأن فريق الرئيس هو الذي كسر الرقم القياسي في تأخير تأليف الحكومات. فالتجربة حصلت مع الرؤساء نجيب ميقاتي، وتمام سلام، وسعد الحريري، ولمن لا يذكر أن المبالغة في اعتماد سياسة التعطيل دفعت العماد عون ليقول يوماً: «عمرها ما تتألف حكومة كرمى لعيون صهر الجنرال». إنه الصهر نفسه الذي رسب في الانتخابات النيابية مرات عديدة، وتم توزيره عنوةً بما يخالف أبسط القواعد الديموقراطية، أي مكافأة من يسقط في الانتخابات بإعطائه حقيبة وزارية بينما هو يستحق في الواقع حقيبة مدرسية!

 

ولمن لا يتذكر كيف تم أيضاً تجاوز الأصول مراراً وتكراراً من خلال إعلان أسماء الوزراء والحقائب التي سوف يتولونها من الرابية (المقر العام للعماد عون قبل انتقاله إلى بعبدا) قبل إعلان مراسيم تأليف الحكومة من القصر الجمهوري، فهي سابقة شكلية كذلك. هل يا ترى يقبل الرئيس بتكرارها في عهده؟

 

ومهما يكن من أمر، فإن تأخير الاستشارات يفاقم المخاطر الاقتصادية والمالية، ويراكم المؤشرات السلبية ويساهم في انحدار مستويات الثقة إلى نقاط سفلية غير مسبوقة. إن الاستحقاقات الداهمة بالكاد تواجه إذا كانت هناك حكومة فاعلة، فكم بالحري في ظل غياب الحكومة؟

 

نحيل ذوي الشأن والحل والربط (اذا كان من يقرأ بينهم) الى كتاب المفكر والفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو وعنوانه «روح القوانين» عله يفيد!

 

إن احترام الدستور ثقافة قبل أي شيء آخر. فمن لا يجيد احترامه، وفهمه، وتطبيقه طوال مسيرته السياسية، لن يتغيّر نهجه في أيٍ من محطاتها، ولو اختلفت المواقع والصفات والتسميات!