Site icon IMLebanon

الحريري يواجه اصطفافاً مسيحياً.. وعون وباسيل يتشدّدان

 

مفاجِئة كانت الإنتقادات التي وجهها البطريرك الماروني بشارة الراعي الى رئيس الحكومة المكلف​سعد الحريري ربطاً بالتأخير الحاصل في عملية تشكيل الحكومة والآلية التي اعتمدها زعيم «تيار المستقبل» على صعيد إنتقاء أسماء أعضاء حكومته، وخاصة الوزراء المسيحيين.

 

مرد المفاجأة يعود الى كونها إنتقادات غير مسبوقة من قبل الراعي للحريري الذي احتفظ بعلاقة سوية مع المرجعية الدينية المسيحية ولم يُعرف عن الرجلين أو لأوساطهما الدخول في أي سجال يتخذ في طياته منحى طائفياً. فالحريري يحرص على الدوام مراعاة تلك العلاقة التي ورث عن أبيه الراحل رفيق الحريري حرصا عليها مع سلف الراعي، نصر الله صفير، حتى في أحلك الظروف، وهو ما أحل على الراحل يوماً غضباً سورياً خلال مرحلة سيطرة دمشق في لبنان.

 

مع صفير، دخل الحريري الإبن في حلف موثوق وحقق إنتصار الانتخابات النيابية في العام 2009، ومع الراعي، حرص الزعيم «المستقبلي»، حتى حين كان خارج الحكم، على تمتين الروابط مع بكركي حرصا على علاقة مارونية سنية وطيدة.

 

ولعل مفاجأة الراعي ترجع أيضاً الى الطابع المباشر غير المرتدي للقفازات والعبارات المؤنبة للحريري من قبل المرجعية المارونية، وتحميله وزر ما ينتج من سلبية نتيجة تأخير في التشكيل لا يرى الأخير مسؤولية تقع عليه في التعطل الحكومي.

 

إضافة الى ذلك، شكلت كلمات الراعي شبه صدمة عند الحريريين بعد خروجه من قصر بعبدا بما يعنيه من رمزية. طبعا، لم يكن الراعي ليصيغ كلماته تلك خلال الاجتماع نفسه مع رئيس الجمهورية ميشال عون، فهو كان قد اتخذ القرار للإدلاء بموقفه هذا وصاغه بعبارات دقيقة وبلهجة صارمة لم يعتد الحريري عليها.

 

على أن الأمور لم تقف عند هذا الحد. ليست طريقة تحميل المسؤولية للحريري في التأخير وتعطيل البلاد في هذه المرحلة الصعبة هي وحدها ما أزعجه، ذلك أنه وغيره من أقطاب سياسيين يحتفظون برواية مختلفة عن تلك التي خرج بها الراعي والتي يتهم بها العهد و«التيار الوطني الحر» زعيم «المستقبل» بالانفراد في القرار.

 

فقد أطلع رئيس الحكومة المكلف، حسب المقربين منه، رئيس الجمهورية على أسماء كثيرة في تشكيلة عرضها عليه مؤخراً، وإن احتفظ بتلك المسيحية، وهذا ما جلب عليه غضب الراعي الذي تحدث عن «تقسيط» في البوح بالتشكيلة، مستعملا كلمات من نوع «بدّن يسمحوا لي فيها»، ما يحمل مغزى طائفي هو ما دفع بالمرجعية المسيحية الى التدخل وهي التي لا تحتفظ بعلاقة شهر عسل مع العهد أصلاً.

 

النوم على حرير!

 

أخصام الحريري يشيرون الى أنه «ينام على حرير»، فهو جهد لكي يتم تكليفه قبيل الانتخابات الاميركية، ثم وضع ورقة التكليف في جيبه واستراح جانبا من الضغوط!

 

وهؤلاء الأخصام لا يقتصرون على باسيل والعهد، بل يضاف إليهم الحليف السابق زعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يصطف «على القطعة» مع خصمه اللدود الرئيس ميشال عون ومنافسه الرئاسي جبران باسيل وهو ما بدا أخيرا في موضوعي التدقيق الجنائي ورفض قانون الانتخاب على أساس الدائرة الواحدة الذي قدمه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

وإذا أضفنا الموقف المتحفظ لحزب «الكتائب» على أداء الحريري، فإن الأخير يواجه اصطفافاً مسيحياً يصوره بأنه يود لعب دور الأب في المرحلة السورية حين كان يختار حصة مسيحية وازنة له في الحكم.

 

تنتصب في هذه اللحظات قضية جذابة بالنسبة الى المسيحيين واللبنانيين في وجه زعيم «المستقبل»: وحدة المعايير. هو شعار باتت المرجعية المسيحية تتبناه بقوة في وجه الحريري الذي ينتقده كثيرون في البيئة المسيحية في هذه المرحلة في أكثر من محطة يقول الاخصام إنه إستهلها عبر تجاوزه من دون إكتراث عدم تسميته من قبل أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين، برغم أنه ليس ملزما دستوريا بالوقوف عند رأيهما، وهو أيضا مغطى من قبل نواب مسيحيين كثر.

 

وفي وجه المطالبة له بـ«الشراكة»، يقول من في بيئة الرئيس المكلف إن رده على المنتقدين وخاصة الراعي، من دون ضوضاء وسجالا علنية، سيكون عبر تقديم تشكيلة حكومية من إنتقائه.

 

يفتح ذلك أسئلة عديدة من نوع: أية حكومة قد يقدم الحريري الى عون، هل هي تشكيلة حكومية من 18 وزيرا يختارهم بنفسه؟ أم تشكيلة ناقصة يرمي أسماء بعض وزرائها المسيحيين في ملعب عون وباسيل؟ وفي حال جوبه الحريري بالرفض، ماذا ستكون خطوته التالية؟ هل سيستنكف عن مهامه؟ أم أنه سينتظر رد فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضغطه لإنقاذ مبادرته؟ وفي مقابل كل ذلك، هل سيستجيب الحريري لرغبة عون وباسيل بتليين موقفه؟

 

بيانا عون وباسيل

 

ووسط كل تلك الأسئلة، يرى البعض أن الزعيم «المستقبلي» لوّح بتقديمه تشكيلة منفردا من دون التنسيق مع الرئيس عون وباسيل، لكي يحرك المياه الراكدة، فالأمور لا يمكن لها أن تبقى على ما هي عليه وبالتالي بات ضروريا فعلاً ما لخرق المراوحة الحالية، سواء سلباً أم إيجاباً.

 

وقد فعل تسريب الحريري لذلك وطرح تلك التساؤلات في دفع عجلة الوساطات على خط بعبدا – بيت الوسط. ومن ناحية العهد، ونتحدث هنا عن رئاسة الجمهورية و«التيار الوطني الحر»، فهو يشترط تسمية وزرائه في موازاة المداورة في الوزارات، وهو ما يتمسك به في مرحلة ما بعد العقوبات الاميركية على باسيل. ولوحظ أمس صدور بيانان عن العهد، وهما حضرا في معرض النفي والرد على الانتقادات، سواء من قبل رئاسة الجمهورية نفيا لما يتسرب أو من ناحية باسيل نافيا الاتهامات له.

 

وقد دفع ذلك بالحريري، الصامت دوماً، إلى دراسة موقفه المقبل بدقة، مفسحاً المجال أمام الوساطات غير المحسومة نجاعتها حتى اللحظة في وجه تشدد متصاعد لعون وباسيل.