Site icon IMLebanon

الحريري يستبق زيارة ماكرون برمي كرة الحكومة في ملعب بعبدا

 

فعلها الرئيس المكلف سعد الحريري. كان متوقعاً ان يسلم تشكيلة “الأمر الواقع” الحكومية الى رئيس الجمهورية ميشال عون قبل ذلك بكثير. منذ تم تكليفه وضع من جملة الاحتمالات تسليم تشكيلة الى عون. اختار اسماء الوزراء من لوائح كانت وضعت او تم الاتفاق عليها خلال تشكيل السفير مصطفى اديب حكومته قبل الاعتذار. بعض اسماء كان اقترحها عون وأخرى سبق واقترحها “حزب الله”، اتفق مع رئيس “التقدمي” وليد جنبلاط على تسليمه أسم المرشح وقال له جنبلاط بالحرف “ما تلعب معي والا انسحب من الحكومة”. عرض الخارجية فرفض جنبلاط قبل ان يأتي من يقنعه بصوابية الخيار ثم تبرع له رئيس مجلس النواب نبيه بري بحقيبة الزراعة.

 

لكن الحريري نكث بوعده بإسناد الخارجية لموظف في الخارجية لم يرشحه جنبلاط، ولم يتشاور مع “حزب الله” بأسماء وزرائه، وكذلك فعل مع عون بعد ان تولى تسمية غالبية الوزراء المسيحيين. شكل حكومة من 18 وزيراً، سلمها للرئاسة الاولى متقصداً إشاعة اجواء ايجابية بعد الزيارة وفي ظنه أن الاسماء التي اقترحها لا يمكن رفضها من اية جهة. وتسلم من عون بالمقابل طرحاً مغايراً تماماً لما قدمه. انتهى الاجتماع بين الرئيسين ومن البيانات بدا واضحاً ان لا حكومة قريباً، رغم تفاؤل الفرنسيين.

 

خطوة لم يتلقفها رئيس الجمهورية كما “حزب الله” و”الاشتراكي” بإيجابية، أكدت بالنسبة الى “حزب الله” ان الحريري لا يريد تشكيل حكومة بانتظار انتهاء ولاية الرئيس الاميركي الحالي وتسلم الادارة الاميركية الجديدة، التي تربطها علاقة جيدة مع الفرنسيين على عكس علاقتها مع المملكة العربية السعودية. بدأ الحريري مهمته واعداً بحكومة خلال 15 يوماً متكلاً على الاجماع على تكليفه والمبادرة الفرنسية، ثم جمد خطواته مراهناً على الانتخابات الاميركية، كما يتهمه خصومه، على أمل ان عودة ترامب مجدداً مع مزيد من العقوبات ستسهل مهمته، لم يفز ترامب فكان الاجدى انتظار تسلم الادارة الجديدة. ومؤخراً مع الاعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، زار الحريري بعبدا الاثنين مبلغاً رغبته تسليم عون تصوراً أولياً للحكومة، وحين زاره قدم تشكيلة فيها اسماء اغلب الوزراء المسيحيين والوزراء الدروز والشيعة.

 

سبق للرئيس المكلف ان طلب من “حزب الله” تسليمه الاسماء ففضل التريث بانتظار ان ينتهي الحريري من تفاهمه مع عون، علماً ان الاتفاق بينهما انتهى على تمثيل “الحزب” في الاشغال والعمل على اساس ان تحتسب الصحة من حصة جنبلاط، بينما سلمه بري قبل اسبوعين تقريباً، اسماء وزراء “امل” وهما يوسف خليل للمالية وجهاد مرتضى للسياحة.

 

بقلق تم تلقف خطوة الحريري، وحيث أن الزيارة انتهت من دون الاتفاق على موعد جديد فهذه دلالة على الخلاف. يرفض رئيس الجمهورية تجاوز الدستور في التعاطي مع موقف الرئاسة الاولى، وتزعم مصادر مقربة من بعبدا “ان رمي الحريري في وجه عون التشكيلة فيه خرق في فقرته الرابعة من المادة 53 والتي تنص على ان الاتفاق على تشكيل الحكومة يتم بالشراكة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، اي انها تعطي حق الاتفاق وليس حق الموافقة والرفض، ولكن الحريري لم يجلس مع رئيس الجمهورية ليناقش معه التشكيلة او يطلعه على كامل أسماء الوزراء”. ووفق المصادر عينها فإن “عون ليس ممثلاً للمسيحيين بل هو حسب الدستور رئيس الجمهورية وبهذه الصفة هو شريك في تشكيل الحكومة بكل مكوناتها، ما أعد خرقاً مزدوجاً ومتعمداً”.

 

وفقاً لمعطيات هذه المصادر ان “الحريري تعمّد تأخير تشكيل الحكومة لانه لا يزال رهين الانتظار ويضبط ساعته على توقيت رحيل الادارة الاميركية وتسلم الادارة الجديدة، ومن الواضح ايضاً ان الاسلوب الذي اتبعه هو احتكار تسمية الوزراء ما عدا الحصة المتصلة برئيس مجلس النواب، وهذا ما يفسر الهجوم الذي تولاه بالنيابة عن كتلة التحرير والتنمية النائب أنور الخليل باتهامه عون بخرق الدستور، وهي التهمة التي تنطبق على الحريري وليس على رئيس الجمهورية”، بحسب المقربين من بعبدا.

 

وتجزم المصادر بأن “عون لن يدع المسألة تطول لانه معني مباشرة بتشكيل الحكومة وهو يدرس بدقة ما تركه الحريري وسيبني على الشيء مقتضاه”.

 

هذه الاجواء مجتمعة باتت في عهدة الفرنسيين الذين تبلغوا بما جرى واطلعوا على صيغة عون التي هي “ليست صيغة اسماء بل توزيعاً متوازناً وعادلاً بين المكونات السياسية للحقائب على قاعدة الاختصاص، وهي تلبي حاجة الناس لحكومة تنفذ الاصلاحات المطلوبة وفقا للمبادرة الفرنسية”، وفق مصادر بعبدا. ولدى الفرنسيين امل بتشكيل الحكومة قبل عيد الميلاد ويعتبرون ان اهمية ما حصل انه فتح باباً للتفاهم والتشاور وتبادل الافكار بدل الركود، “وهم لا ينظرون الى عون كمعطل وانما يمارس حقه في ان يضع ملاحظاته”. والجدير ذكره هنا ان للفرنسيين ايضاً حصتهم المتمثلة بثلاث حقائب هي الطاقة والاتصالات والاشغال التي رفضوا اسنادها الى “حزب الله”. يريدون تشكيل الحكومة التي ستتولى من وجهة نظرهم ومنذ ايامها الاولى إيجاد المخرج المناسب لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهم اعدوا ما يشبه خريطة طريق للمرحلة المقبلة.

 

كل هذا التشنج في المواقف لا يلغي طيفاً من الايجابية يعززه تفاؤل الفرنسيين، فهل تنجح مساعيهم في ولادة الحكومة ام المطلوب تمرير الوقت بمسودات حكومية حتى موعد تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن؟