لا ثلث معطلاً للعهد أو «حزب الله» للتأكيد على استقلاليتها
ماذا بعد انفجار الصراع بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري؟ وما الانعكاسات على مشاورات تأليف الحكومة؟ وهل بالإمكان توقع ولادة حكومية بعد في ظل هذه الأجواء المتشنجة التي أعادت استنفار العصبيات الطائفية والمذهبية؟. هذه التساؤلات فرضت نفسها في الساعات الماضية، بعد احتدام الاشتباك السياسي بين «بعبدا» و«بيت الوسط»، على خلفية تداعيات القرار الاتهامي في جريمة انفجار المرفأ، وما رافقها من اتهامات للرئاسة الأولى بعرقلة عملية تأليف الحكومة، وهو ما كشف عنه الرئيس المكلف في رده على مقالة المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي، وما أعقب ذلك من رد من جانب رئاسة الجمهورية على بيان الرئيس الحريري.
وفي ضوء اتساع الهوة بين الرئيسين عون والحريري، فإن المعطيات المتوافرة لـ«اللواء» من أكثر من مصدر مطلع على مسار التأليف، فإن تفجر الخلافات السياسية والطائفية المتصلة بملف القرار الاتهامي لجريمة انفجار المرفأ، بعد الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين، وجه ضربة قاضية من العيار الثقيل لجهود تأليف الحكومة، وأطاح بكل ما تم التوافق عليه على هذا الصعيد، بعدما كشف الرئيس المكلف أن أسباب تعثر التأليف بالدرجة الأولى تعود إلى سعي رئيس الجمهورية ميشال عون الحصول على الثلث المعطل، في ظل الضغوطات التي يتعرض إليها من جانب «حزب الله»، وهو أمر لا يمكن أن يحصل أبداً تحت أي ذريعة أو مسمى. وبذلك بات واضحاً أن المعركة تتركز على من يمسك بالقرار الحكومي، بعدما ظهرت النوايا المبيتة على حقيقتها، بسعي العهد وحلفائه إلى الحصول على الثلث المعطل، لكي تكون العصمة الحكومية بأيديهم، وبالتالي إضعاف الرئيس الحريري وجعله عاجزاً عن إدارة الدفة الحكومية، استناداً إلى مضمون المبادرة الفرنسية التي تنص على تشكيل حكومة موثوقة فاعلة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة.
وتشير المعلومات، إلى أنه بعد هذه التطورات المتسارعة المتصلة بالملف الحكومي، فإن الأمور دخلت مرحلة انتظار طويل، قد لا تساعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثالثة المقررة في الثاني والعشرين من الجاري، على التخفيف من تبعاتها السلبية، خاصة وأن «حزب الله» وحلفاءه ليسوا في وارد التخلي عن مطلبهم في الاستئثار بالثلث المعطل، وهو ما يفسر إخفاق الرئيس المكلف على مدى 12 جلسة مع رئيس الجمهورية بعد تكليفه، في إقناع الأخير بضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة، لا يكون فيها الثلث المعطل مع أحد. ولذلك قدم الرئيس الحريري لرئيس الجمهورية تشكيلة من 18 وزيراً، كي لا يكون هذا الثلث بحوزة أي طرف، تلافياً للإمساك بقرارها كما كان الأمر عليه في حكومات «الوحدة الوطنية»، عندما كان «حزب الله» وحلفاؤه يتحكمون بقراراتها.
وإزاء كل ما تم الكشف عنه من أسباب تفجر الخلافات بشأن الملف الحكومي، فإن لا مجال للقبول بأنصاف الحلول من جانب الرئيس المكلف الذي لن يسمح بتسليم قرار الحكومة الجديدة إذا قيض له تشكيلها، إلى أي طرف مهما اشتدت الضغوطات عليه. وهو إذا كان يرفض أن يتحكم أحد بقرار الحكومة، فلأنه يريد أن يبرهن للمجتمع الدولي بأنه يترأس حكومة مستقلة لا هيمنة فيها لأحد، باعتبار أن المجتمع الدولي ليس مستعداً لتقديم مساعدات للبنان، إذا وجد أن هناك طرفاً سياسياً يسيطر على الحكومة. ولا يبدو أن الرئيس المكلف في وارد الاستسلام أمام الضغوطات التي يتعرض إليها، كونه يرى أن المبادرة الفرنسية هي الفرصة الأخيرة القادرة على إنقاذ لبنان لإخراجه من أزماته الاقتصادية والمالية.
وتشير المعلومات إلى أن الرئيس ماكرون يحمل معه في زيارته الأخيرة إنذاراً أخيراً للمسؤولين اللبنانيين، بأنه لا مفر أمامهم إلا التوافق على حكومة اختصاصيين غير حزبية، استناداً إلى ما يعمل عليه الرئيس المكلف، باعتبارها المعبر الإلزامي لحصول لبنان على الدعم الذي يحتاجه لتجاوز المأزق. وهذه المرة سيحط الرئيس ماكرون في بيروت، مدفوعاً بدعم أوروبي لمبادرته، حيث أن الدول المانحة العربية والأوروبية تشترط أن ينفذ لبنان بنود هذه المبادرة، لكي تتم مساعدته والحصول على القروض التي يحتاجها في المرحلة المقبلة التي تتطلب جهوداً استثنائية لتجاوزها.