بين يوم وآخر يكون الرئيس سعد الحريري خلف مكتبه في بيت الوسط، بعد إجازة أمضاها مع عائلته في باريس. والاتصالات قبل مغادرته بيروت كانت توحي بأن الحكومة ستتشكل خلال أيام لا أشهر، خصوصاً أن تسمية حسان دياب جاءت من لون واحد وبات الناطق باسمها أحد رموز الوصاية السورية. ولو سارت الأمور وفق معطيات ما قبل سفر الحريري، لكان من المفترض أن تكون الحكومة قد تشكلت وصاغت بيانها الوزاري وعاد الحريري ليشارك في جلسة الثقة، وينطلق بعدها في رحلة المعارضة.
ويبدو أن “فوبيا الحريري” تلازم بعض القوى السياسية التي فشلت في الاسراع بتشكيل حكومة. وبدلاً من اتمام هذا الاستحقاق بسرعة لمعالجة الأزمة الاقتصادية وتلبية مطالب ثورة “17 تشرين” وتخفيف معاناة المواطنين، وبدلاً ايضاً من الاعلان عن حقيقة معرقل التشكيل، راح فريق “8 آذار” إلى سياسة الهروب واشغال اللبنانيين بتوجيه الأصابع نحو الحريري، عبر اتهامه بعدم تصريف الأعمال. هي حملة ليست غريبة عن الحريري الذي توقع خلال دردشته مع الصحافيين قبل سفره أن يتم الهجوم على الحريرية السياسية، وكان جوابه: “من يحاول دفن الحريرية السياسية يدفن نفسه”.
القريبون من الحريري يؤكدون أنه يصرّف الأعمال بعيداً من الإعلام، “القصة مش عرض عضلات”، ويقوم بعمله بحدود الممكن في هذه المرحلة، “أخذ موقفاً واضحاً بالابتعاد من أجل حثّ القوى السياسية والمعنيين على تشكيل الحكومة الجديدة. وإنّ تهرب القوى السياسية من المسؤولية بالحديث عن تصريف الأعمال وليس عن فشلها في التشكيل هو تحريف واضح للحقائق”.
عندما اتخذ الحريري قراره بتلبية مطالب ثورة 17 تشرين والاستقالة من دون سقوط نقطة دم، لم تكن أجندته تتضمن بند تصريف الأعمال لأشهر، بل استقال لتتشكل حكومة جديدة تتحمل مسؤولياتها. ويذكّر القريبون بأن “تصريف الأعمال يكون تحت بند الحاجات الملحة كالموازنة مثلاً، ولكن ليس تحت بند تعويم الحكومة المستقيلة”.
المشهد الجديد يوحي بأن عملية التشكيل تسودها عقبات، ومن يسمع مقابلة الوزير جبران باسيل الأخيرة وما تبعه من بيان “الوطني الحر” باستحضار بدعة “وحدة المعايير”، يستنتج أن الأخير جزء من العقد، فضلاً عن التباين بين “حزب الله” و”أمل”، فمواقف الرئيس نبيه بري تثبّت “انو مش ماشي الحال”، كما أن الملاحظات التي أرسلها رئيس الجمهورية إلى الرئيس المكلف أيضاً تؤشر إلى “لا إتفاق”. وإضافة إلى العقد الداخلية، جاءت عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني لتثير مخاوف أتباع المحور الإيراني، ما انعكس تضعضعاً في صفوف الأكثرية النيابية وتبايناً في المواقف على قاعدة “الخوف من مرحلة ما بعد الاغتيال”.
وفي زمن التحليل، تم الترويج لسيناريو دفع دياب إلى الاعتذار لتسمية الحريري، لكن الأكيد بناء على الاسابيع الثلاثة للتكليف أن دياب وضع ثلاثة شروط أمام المكلفين: “لا خضوع للجمهور السني، لا خضوع لجمهور 17 تشرين ولا اعتذار”. أما بالنسبة إلى الحريري فلا يزال على موقفه: “الكرسي لنخدم الناس مش لنتقنبر عليهم… يبلوها ويشربو ميتها”، وبالتالي هو ليس معنياً بأي طرح يتم الترويج له، ومسار الحكومة يبدأ بالاعلان عن اسماء الوزراء بالمراسيم وصياغة البيان الوزاري والذهاب إلى جلسة “ثقة أو لا ثقة”. وبالتالي يؤكد القريبون من الحريري أنه “ليس في وضعية دفع دياب إلى الاعتذار بل هو مع تشكيل حكومة تتحمل مسؤوليتها ويكون هناك موالاة ومعارضة”. وخلال اجازة الحريري المقننة، جرى اتصال بينه وبين بري، تصفه المصادر بـ”الاتصال الجيد والايجابي، واقتصر الحديث على الموازنة، والرئيس بري يهمه ألا يتكرر في مجلس النواب ما حصل تحت سقف بعبدا خلال عملية التكليف، يريدها جلسة جامعة”.
في العام 2009 وصل الحريري إلى طريق مسدود في التشكيل فاعتذر وأعيد تكليفه من جديد بعد أشهر، وآنذاك لم تكن المرحلة متزامنة مع أزمة اقتصادية، لكن الخوف الحقيقي اليوم هو أن يكون دياب وصل إلى مرحلة بات عاجزاً فيها عن التشكيل وألا يتجه إلى الاعتذار، وبالتالي يكون المخطط بعدم اعتذاره والتواطؤ على الحريري لتعويم الحكومة المستقيلة بحجة تصريف الأعمال لفترة طويلة، ما يعني تحميل الحريري مسؤولية نصف حكومة وقرارات ملزمة… خطة مفضوحة وملعوب لن يؤتي أكله… إلعبوا غيرها!