إنطلاقاً من المبدأ “الدستوري” و”القانوني” و”الشعبي” الجديد الذي يقول بأنّ الأكثر تمثيلاً في طائفته هو الذي يتولّى المنصب الأول فيها، لا بدّ من أن نقول ما يلي:
أولاً، بانتظار الانتخابات النيابية المقبلة، إذا حصلت، يبقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين ويبقى الرئيس الحريري الأكثر تمثيلاً لدى السُنّة، وبالتالي يجب أن يبقى هو مكلّفاً برئاسة الحكومة حتّى ولو لم تتشكّل، فالفراغ الرئاسي استمر عامين ونصف العام حتّى جرى انتخاب العماد عون بموجب هذا المبدأ.
ثانياً، وبموجب هذا المبدأ أيضاً لا مفرّ من التعاون بين الرئيس عون والرئيس الحريري لتشكيل الحكومة، ولكنّ السؤال أيّ حكومة؟
في البداية، بالنسبة لرئيسها، فيجب أن يكون الحريري بموجب المبدأ الأكثر تمثيلاً في طائفته حتّى ولو كانت حكومة اختصاصيين أو حكومة سياسية، لأنّ من وضع هذا المبدأ لم يضع له إستثناءات، كما أنّ رئيس الحكومة هو واحد من الوزراء ولا يمكنه أن يقرّر وحيداً في مجلس الوزراء، كما يمكن لرئيس الجمهورية العماد عون أن يترأس أي جلسة لمجلس الوزراء ساعة يشاء وهو الأكثر تمثيلاً في طائفته، فما يسري هنا يجب أن يسري هناك ليكون عندها في مجلس الوزراء الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين وعند السُنّة.
هذا في الشكل، وهو بالطبع شكل من أشكال عملية التعطيل والشلل، لأنّ هذا المبدأ رتّب على البلاد فترات طويلة من الفراغ الرئاسي والحكومي وخلافات لا تنتهي ساهمت في شكل كبير في تدمير ما كان قد تبقّى من مقوّمات في لبنان وضربت الاقتصاد والإدارة.
المهمّ اليوم بالنسبة للبنانيين هو المضمون، مضمون الحكومات وما ستقوم به. وفي هذا المجال يدرك جميع المتناحرين على الحكومة، بالرغم من أنّ بعضهم يكابر ولا يريد الاعتراف بالواقع، أنّ أيّ حكومة على شاكلة الحكومات السابقة تتمثّل فيها القوى المتصارعة لن تؤدّي إلى أي نتيجة إيجابية في أي مجال من المجالات، ولن تكسب لا ثقة الداخل ولا ثقة الخارج، وبالتالي ستزيد من معاناة اللبنانيين ومآسيهم. لذلك، فإنّ المطلوب هو حكومة مختلفة كلّياً عن الحكومات السابقة بتركيبتها ووزرائها والأهمّ بأعمالها، فقوى ما كان يعرف بـ 14آذار حكمت وحدها وفشلت، وقوى 8 آذار و”التيار الوطني الحرّ” حكمت وحدها وفشلت، وحكومات الوحدة الوطنية التي شارك فيها الجميع فشلت أيضاً. ألا يستحقّ ذلك أن نجرّب حكومة مختلفة ربّما لا تفشل؟
في لبنان لا يجب أن يكون الحكم على رئاسة الجمهورية أو على رئاسة الحكومة أو على أعمال الحكومة من خلال الشخصيات التي تتبوّأ هذه المراكز، بل من خلال أعمالها وِفق مبدأ منطقي يقول: “عند الإمتحان يُكرم المرء أو يُهان”.
ليس اللبناني اليوم بحاجة لتقديس هذا الزعيم أو ذاك، إنّه بحاجة لتأمين لقمة العيش وحبّة الدواء والمقعد الدراسي واستخدام ودائعه في البنوك، والبقاء في وطن مستقرّ ومزدهر يجد فيه فرص العمل والتقدّم والتطوّر، فهل هناك ممّن مارسوا الحكم من هو قادر على تحقيق ذلك؟
الجواب الحقيقي طبعاً ليس في ضمائر المتناحرين، بل هو عند المواطن الذي لم يبع نفسه وعقله وقلبه وبصيرته، وحده القادر على قول الحقيقة ومواجهة من باع الناس أوهاماً وأحلاماً لم تتحقّق.