في تشرين الأوّل الماضي كتبنا تحت عنوان «يُكلّفون ولا يُألّفون»: «في العام 2018 وضع الرئيس الحريري مهلة ثلاثة أشهر لنفسه لتشكيل الحكومة وإلا الاعتذار، كان لا يزال يذكر تجربة تكليفه الأولى المُرّة عام 2009 وللمفارقة يومها كان حزب الله وحلفاؤه أقليّة وعطّلوا تشكيل الحكومة حتى اضطروه للاعتذار، إن كلّف الرئيس الحريري فأكثر من كلّ المرات نشفق عليه بداية من الأفخاخ التي ستنصب له»، لمرّة جديدة يدفع الرئيس الحريري ثمن قبوله تجربة المجرّب والدّخول في لعبة أبطالها الانقلاب على مواقفها عشرات المرات أسهل من شربة الماء، ومن المؤسف أنّه ربما لا يزال يأمل خيراً وتريثاً مترقباً حركة الرئيس أيمانويل ماكرون فيما كلّ ما يحيط بالموقف السياسي اللبناني يؤكد أن الأمور ذاهبة باتجاه أسوأ وأنّ وقت ماكرون في اللعبة اللبنانيّة شارف على الانتفاء، عندها سينقضّ الرئيس وصهره وتيّاره على الرئيس الحريري ليفترسوه!!
يحتاج لبنان بأزماته العديدة الأوجه إلى معجزات إلهيّة تخرجه من حال إلى حال، معجزات كثيرة، ولا تلوح في أفق لبنان الدولي حتى الساعة لا معجزة ولا من يُعجزون! بلد استهلكوه فأخطأوا في تشريعه في وجه الوباء وفشلوا في ضبط الوباء عندما قرروا إغلاق البلاد، وهم عالقون اليوم بين فكيّ أي قرار يأخذون في بلد منهار وشعب سرقت المصارف أمواله وفجّروا عاصمته، والمرفأ لا يزال مزدحماً بالحاويات الخطرة القابلة للتفجير والساكتون لا يزالون ساكتون، هذا بلد يحتاج إلى حكومة طوارىء، إلى انقلاب كانقلاب ميانمار يلقي القبض على كلّ المسؤولين ويُلقي بهم في سجن لا يخرج واحدهم منه إلا بعد تنازله عن أمواله في كلّ دول العالم وممتلكاته في لبنان والعالم.
ثلاثة أشهر ويزيد من التكليف، وبالطبع رئيس الجمهوريّة اضطر أن يخضع رغماً عنه للاستشارات النيابية التي مهّد لها برسالة إلى النواب كاد يقول فيها للنواب أرجوكم «ما بدّي سعد الحريري»، ولا يزال البلد عالق في فخ تلك الرّسالة والرغبات الدفينة بين الرئيس وصهره و»ستين عمرو ما يكون في بلد» في هذه الظروف الدقيقة، ثمّ لا يجد الرئيس غضاضة في التبرّؤ من رغبته في الثلث المعطّل، ولكن!
ليس خافياً على أحد أن الرئيس ميشال عون جاء إلى الرئاسة ودخل إلى قصر بعبدا قافزاً فوق زمن خروجه منه، فتح حديقة قصر الشعب مستعيداً أيام الحشود، ومن المؤسف أنّ هذه العودة محكومة بأوهام القفز فوق «الطائف» أو في أحسن الأحوال تعطيله، لذا السلاح الوحيد الذي يمكّنه من إعادة عقارب الزمن إلى الوراء هو الثلث المعطل مقلّداً ما فرضه «حزب الله» عبر 7 أيار، ومتجاهلاً في نفس الوقت أنّ فريقه كان أداة في حكومة الثلث المعطّل التي جاء بها «اتفاق الدوحة»، كان أداة حتى لا تنفجر حرب مذهبيّة في بلد على كفّ عفريت!
لن يكون من السّهل أبداً تشكيل حكومة، هذا إن لم يمضِ النصف الثاني من ولاية رئيس الجمهوريّة بحكومة تصريف أعمال في انتظار لحظة الانهيار، ليست المرّة الأولى التي يعيش لبنان فيها أزمة حكومات، رئيس الجمهورية تحديداً خاض في أيلول العام 1988 صراع الحكومتين الدستوريّة وغير الدستوريّة وخاض حربيْن مدمرتيْن بنصف حكومة!