IMLebanon

بين الحريري 1989 والحريري اليوم

 

ليت رفيق الحريري موجود بيننا ليروي بعض فصول التفاوض بين قائد الجيش العماد ميشال عون في العام 1989 وبين الموفد العربي الأخضر الابراهيمي يرافقه في بعضها رفيق الحريري كموفد سعودي، ومنسق لتنقلات الابراهيمي في بيروت ومشارك في مفاوضات وقف النار.

 

في حينها كان الابراهيمي يطرح أفكار وقف الحرب وإنهاء القتال للتوصل إلى اتفاق سياسي وإنهاء الفراغ الرئاسي والانقسام بين حكومتين واحدة يرأسها عون والثانية برئاسة الدكتور سليم الحص…البحث بين الابراهيمي والجنرال المتحصن في قصر بعبدا حول الحلول الوسط، وصل بعد جولات تفاوض إلى طريق مسدود، بحيث رفض عون السماح بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان لأنه كان يضمر ضمان انتخابه هو، لا أي مرشح آخر… وهذا ما دفع الابراهيمي والحريري الأب إلى العمل على خط مواز من أجل اجتماع النواب في مدينة الطائف لإقرار الإصلاحات السياسية المطلوبة وإنجاز اتفاق سياسي يشمل انتخاب رئيس للبلاد، غير عون، المرفوض عربياً بعدما تحول تحدياً لسوريا وبعض العرب.

 

إذا كان العناد في حينها والخيارات الإقليمية الدونكيشوتية أخّرت رئاسة عون 28 سنة (منذ 1988)، ولم يصبح عون رئيساً إلا عام 2016، وباتفاق مع سوريا وإيران سوية، لا دمشق وحدها، فإن الوقائع التي كشفها أمس الرئيس سعد الحريري عن مضمون مفاوضاته مع الرئيس عون شكلت 1 أو 2 في المئة من حقائق اللقاءات التي جمعته به. والواضح أن سبب تعطيل الحكومة ليس حقوق المسيحيين وصلاحيات الرئيس في تسمية الوزراء المسيحيين وحجج أخرى. أبدى الحريري كل الليونة تحت سقف اشتراط المجتمع الدولي حكومة اختصاصيين غير حزبيين، قادرة أن تحقق الإصلاحات وفق خارطة طريق، إيمانويل ماكرون، كرر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أمس المطالبة بها.

 

رد الرئيس المكلف بالوقائع على اتهامه من قبل عون بالكذب في ما يخص ورقة الأسماء التي سلمه إياها، بعدما شرح تفاصيل ما دار بينه وبين عون، خلال زياراته الخارجية وفي اتصالاته مع البطريرك الراعي. وهو لديه الكثير من الوقائع ليفصح عنها في قابل الأيام. خاطب المجتمع الدولي الذي بات يعرف الأسباب العميقة لتأخر ولادة الحكومة.

 

رد الرئاسة على الحريري لم يتناول ما قاله الأخير كأنها لم تسمع، فجاء بيانها المقتضب مطابقاً لردود ميرنا الشالوحي، وتغريدات نوابها ورموزها، التي أعدت قبل إلقاء الرئيس المكلف خطابه، وكانت العبارة الموحدة بينها “الحريري إلى التدقيق” متجاهلين أن الرجل أفرد فقرة للتدقيق الجنائي بحسابات المصرف المركزي وكافة الوزارات والصناديق، منذ عام 1989، أي منذ تبوؤ عون رئاسة الحكومة الانتقالية.

 

بين 1989 واليوم، شهوات الرئاسة التي شهد عليها الوسيط رفيق الحريري كيف دمرت البلد وشلته، هي نفسها تواجه سعد الحريري رئيساً مكلفاً. لا تعني الردود على الأخير من قبل رموز “التيار الحر” سوى رفض رئاسته للحكومة، لأن إعلان الحريري قبل أكثر من سنة سقوط التسوية الرئاسية التي أنجبت رئاسة عون، يعني استحالة القبول بوريثه باسيل، بعد معاناة السنوات الأربع الماضية من العهد مع الرئيس وظله. الأوهام الدونكيشوتية، كما قبل 32 سنة، تمنع اكتشاف فريق الرئاسة أن هذا ما يرمز إليه رفض الثلث المعطل في الحكومة.

 

الخراب الذي ينتظر البلد لا يقل أضراراً عما فعلته الآلة الحربية لعون سابقاً. فهل يحتمل حتى نهاية العهد؟ الأرجح أن الجواب قيد التحضير دولياً ومحلياً.