IMLebanon

سعد الحريري وعرابة بن أوس

 

إبتسامات الرئيس الحريري التي فاضت وملأت الشاشات خلال ظهوره التلفزيوني مع الإعلامي مارسيل غانم وحرصه على إظهار أعلى معايير التهذيب في التخاطب والانتقاء الدقيق للعبارات، وعدم الانجرار ولو تلميحاً لما يُمكن أن يستدل منه أي تشكيك بالتسوية الرئاسية، بل وإظهار الإستعداد الدائم للتنازل، كلها لم تكن كافية لإرساء هدنة لو لفظيّة على مناوشات التأليف، فانهالت خلال الساعات القليلة التي تَلت الطلّة الإعلامية تصريحات التشكيك في محاولة للنيل من جرعة التفاؤل التي تعمّد الرئيس المكلّف تعميمها، الأمر الذي دفع الرئيس نبيه بري للقول أنّ المسألة عادت الى نقطة الصفر.

جديدا الرئيس الحريري، الخارجان عن المألوف هذه المرة هما، أولاً تأكيده على إنجاز التشكيلة الحكومية بمهلة عشرة أيام، وهو طبعاً لا يراهن في ذلك على تغيير في سلوك الفرقاء السياسيين الطامحين الى الإستيزار والإطباق على القرار الحكومي وتكريس أعراف جديدة في الحكم – وهم فعلاً لم يحاولوا مقاربة أسباب ما ذهب إليه الحريري وسبر العوامل والمتغيّرات التي تقف وراء ذلك بطريقة موضوعية – بل استمروا في التّشبث بمواقفهم. والجديد الثاني في ما ذهب إليه الرئيس الحريري هو إعلانه أنّ لا مانع لديه من تولي حزب الله أي حقيبة وزارية ومجاهرته بأنّ الوزارات التي تحظى بمساعدات دوليّة سيتعذر إسنادها للحزب كونها ستعرّض الأداء فيها للخطر، وقد نجح الحريري في التعبير عن ذلك بعيداً عن شخصنة الموضوع وحصره في إطار الخلاف بين تيار المستقبل والحزب. رسالتا الحريري توحيان بدخول عامل ضاغط خارج عن اليوميات السياسية اللبنانية، في اللحظة إياها، ومن النوع الذي لا تقوى المكوّنات السياسية اللبنانية على ردّه، يقف وراء زيارة بعبدا وإعلان ما أُعلن، وأنّ هذا العامل هو ملك رئيسيّ الحكومة والجمهورية دون سواهما.

ومن هذا القبيل يمكن فهم التلقائيّة والسطحيّة في ردّة فعل الوزير جبران باسيل وما ذهب إليه من تشكيك بما قاله الحريري، ودعوته إياه لتقديم تنازلات فعليّة وليس وهميّة، وإلى وضع تشكيلة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية يذهب بها الى المجلس النيابي «فإذا سقطت سنعود ونسمي الرئيس الحريري ولكن على قواعد أخرى كي تنال هذه الحكومة الثقة».

قد يكون العامل الخارج عن المألوف وراء ما ذهب إليه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي تناسى في استدارة ملفتة كلّ حسابات البيدر اللبناني وما سميّ بالعقدة الدرزية حين غرّد قائلاً: «كفى بناء قصور من ورق. إنّ الظروف لا تسمح بهذا الترف وعداد الدين يزداد في كلّ لحظة نتيجة الهدر والفساد وتراكم الدين والصرف العشوائي. ما من أحد وما من مؤتمر لينقذنا. التسوية ضرورية ولا عيب في التنازل من أجل الوطن».

وبهذا المعنى يبدو تشكيل الحكومة وكأنّه انتقل إلى سياق مختلف درءاً لخطرٍ إقليمي حيث الوقت هو سيد الموقف. لم يعدّ لدى الرئيس الحريري ما يتنازل عنه، ودعوة الوزير باسيل له للتنازل تذكّرنا بقصة إعرابي أراد اختبار «عرابة بن أوس» المشهود له بالكرم والجود، فأتاه وقد أصابته الفاقة فكفّ بصره وأصبح فقيراً،  فوجده يتهادى إلى عبدين نحو المسجد الحرام يريد أن يصلّي، فقال: «يا عرابة، إبن سبيلٍ منقطع». قال: «دونك العبدين أنّهما لك». قال «يا عرابة أردت أن اختبرك»، قال «إن لم تأخذهما فهما حرّان لوجه الله. الكريم ما يرجع في عطيّته، فالكريم هانت عليه الدنيا….» وأقبل يتلمّس الحائط بيده راجعاً إلى منزله.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات