Site icon IMLebanon

سعد الحريري و»دستور» الرئيس «المسيحي»

بيتُ القصيد، واصل الدّاء، ووصفة الدواء هو ما اختصره الرئيس سعد الحريري في حديثه لصحيفة «الفيغارو» الفرنسية، فالأيام التي مرّت على لبنان منذ نهاية أيار الماضي تؤكد بما لا يقبل الالتباس صدق ما صرّح به الحريري قائلاً: «نحن البلد الوحيد، من المغرب إلى الهند، الذي ينص دستوره على أن يكون رئيسه مسيحياً، ونحن متمسكون بذلك»، في هذا الزمن الذي يُراد فيه «إقناع» اللبنانيين والتصوير لهم وللعالم أنّ «داعش والنصرة» تسعيان لإقامة إمارة شرقيّة على الحدود اللبنانيّة تضمها إلى دولة الخلافة الإرهابيّة التي أنشأتْها، وإمارة أخرى شمالية تشكّل لها منفذاً إلى البحر ـ وهي تجربة سبق وخاضتها فتح الإسلام وباءت بالفشل ـ يأتي كلام الرئيس الحريري كأبلغ ما يكون، في وقت سمعنا فيه مرّات عن «مؤتمر تأسيسي» أو «تعديل الطائف» إلى آخر معزوفة التهديد التي تستخدم من حين لآخر لبث القلق في نفوس اللبنانيين المسيحيين.

ما يقارب الأشهر الخمسة منذ مغادرة الرئيس العماد ميشال سليمان قصر بعبدا، أحداث كثيرة وقعت وشتتّت انتباه اللبنانيين، فمن الضغوطات التي ألقيَت على كاهل الحكومة وأغرقتها بسيل من الحروب المطلبيّة، فيما هي أعلنت أنّ مهمّتها إجراء انتخابات رئاسيّة، إلى ظهور داعش في العراق ومدّ وجودها إلى سوريا، ولاحقاً إلى مفاجأة «عرسال» وجرودها، و»العسكريين المذبوحين» على مرأى من عائلاتهم وأمهاتهم والشعب، تاه اللبنانيّون وسط هذه الأمواج المتلاطمة، حتى نكاد نقول إننا نسينا فعلاً أن القضية الأولى والرئيسة لهذه المرحلة هي انتخاب رئيس للجمهورية.

وللأمانة؛ بودّي أن أقول، إن بعضاً كثيراً من نواب تيار المستقبل انغمسوا بما لا يُسمن ولا يُغني من جوع في تركيز تصاريحهم على حزب الله، والردّ والردّ والردّ على، وكأننا في جلسة زجلٍ رتيبة، وهذه من ضمن الأداء السيئ لبعضهم، والأسوأ من هذا هو انحسار دور تيار المستقبل في هذه المرحلة الخطيرة على إصدار بيانات تنفي أو تتنصل من كلام قاله هذا النائب او عضو المكتب السياسي ذاك، حديث الرئيس سعد الحريري أعاد الأمور إلى نصابها وإلى معركتها الأساسيّة فقال: «إن بلادي، لبنان، هي نموذج للتسامح وللعيش المشترك بالنسبة لكل المنطقة، والحال، فإن هذا النموذج مهدد اليوم بالتدهور بسبب الفراغ على رأس الدولة»…

إلى متى سيبقى لبنان بلا رأس؟! هذا الفراغ تتحمّل البطريركية المارونية الجزء الأكبر من المسؤولية عنه باعتبار أنها التزمت وما زالت الصمت ولم تحدّد مطلبها في هذه اللحظة الخطيرة والتي تشكّل تهديداً على بقاء لبنان الكيان والدولة، فانتظارنا طال علّها تكشف وتخاطب النواب المسؤولين عن تعطيل النصاب وتضعهم في مواجهة ناخبيهم، والبطريرك أدرى بأنه سيناله منهم ما سبق ونال غبطة مار نصرالله بطرس صفير، وصبر عليهم، حتى ملّ منهم بعدما أيقن أن اعوجاجهم لا يُقوّم.

وأود أن أتوجه إلى الرئيس الحريري في هذه المقالة، لأننا كنّا نتمنّى لو كانت الأوضاع الأمنيّة تسمح بعودته إلى لبنان، فوجوده أصبح لا بُدّ منه، وهو باعث على التفاؤل في نفوس اللبنانيين، إلا أننا نتمنّى عليه أن تكون له ولأسباب أمنيّة، قلعة كـ»معراب» يقيم فيها، فبيروت فيها مناطق كثيرة، فيها غير قريطم وغير بيت الوسط، فيها الأشرفية، وفي لبنان مناطق كثيرة تتمنى لو تحتضن «معراب» سعد الحريري، ولك في إقليم الخروب جندٌ مجنّدة، لأنّ وجودك بات روحاً لحياة اللبنانيين المُغْرقَة في التشاؤم.