IMLebanon

سعد الحريري والورقة الأولى  من دفتر النقد الذاتي

لم يشهد تاريخ رجال السياسة والزعماء في لبنان هذا المعدن من الرجال الذين يعضون على الجرح من الخيانات وقلة الوفاء، كما هو عليه الزعيم الشاب الرئيس سعد الحريري، فهذا الرجل الذي يواصل هذه السنة عقدَه الثاني في تحمل المسؤولية منذ استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، لم يعرف يوماً هنيئاً، ومع ذلك بقي ويبقى مثابراً متلقياً في صدره كلَّ سِهام الصِعاب، فإذا انتصر في استحقاق معيَّن يكون الإنتصار لتياره وللوطن وللشعب، وإذا واجه صعوبة في استحقاق معيَّن فإنه يتحمَّل الصعوبة وحده ولا يُلقي التبعات على أحد.

***

من 7 أيار 2008 إلى الإقالة بالتزامن مع وجوده في اجتماع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى الإغتيالات المتمادية والتهويل بالإغتيالات، نكسات وضربات لا تجعله يستسلم بل يقف ليستخرج العبر ولينطلق من جديد، وأيُّ استطلاع يجري، سواء قبل أي استحقاق أو خلاله أو بعده، فإنه يعطيه الأولوية والتقدُّم.

***

سعد الحريري من قماشة لا تعرف الإستسلام، بل الإقدام والمواجهة لكن بعقلانية وتروِّ وليس بانفعالية وتسرُّع. عنده من جرأة التحمُّل بمقدار ما عنده من جرأة المواجهة، يهادن حيث تجب المهادنة ويواجه حيث تجب المواجهة، ويقوم بالمراجعة النقدية في الوقت المناسب والظروف المناسبة.

***

في أول إطلالات شهر رمضان المبارك، شاء الرئيس الحريري أن يكون فتح القلوب مع رؤساء الطوائف الروحية ورجال الدين، ولم تكن البداية على هذا المنوال لأسباب عبثية، بل إنَّ الأمر مدروس لأنه يعتبر أنَّ القيم الروحية في لبنان هي التي تتقدَّم على ما عداها.

لم تكن البداية مع رجال الدين فحسب بل تعمَّد خلالها أن يستهل المراجعة بالقراءة في الورقة الأولى من الدفاتر التي يريد فتحها كما قال، وليتحدَّث بما يمليه عليه ضميره وبما يتحمله من مسؤوليات تجاه جمهور تيار المستقبل وتجاه اللبنانيين وتجاه الحلفاء والخصوم.

يبلغ الرئيس الحريري قمة الجرأة حين يجهر أنه لن ينتمي إلى المدرسة المتعارَف عليها في لبنان، فيقول:

حاولت السياسة في لبنان أن تقدم لي دروساً في الكذب والمناورة والتجييش والتلاعب على غرائز الناس. لكن تربيتي علمتني الصدق والصراحة والوفاء حتى لو كان الأمر على حسابي.

وفعلاً فقد دفع من حسابه المغري ومن رصيده السياسي ثمن هذه المناقبية النادرة، وهذه المناقبية لم يكن أحدٌ غيره ليجرؤ على سلوكها، وهي التي تدفعه إلى تلقف المسؤولية بصدره من دون تحميلها لأحد على غرار بعض المتخاذلين، فيقول:

لن ألقي المسؤولية في أي اتجاه ولن أعفي نفسي ومن معي من المسؤولية لألقيها على غيري. فأنا المسؤول عن استخلاص نتائج الإنتخابات وأنا في رأس الهرم السياسي لتيار المستقبل سأتحمل النتائج مهما كانت قاسية.

***

إذا كانت هذه هي الورقة الأولى فكيف ستتدرَّج الأوراق المتبقية في الإفطارات الأخرى؟

ومَن يستطيع اللحاق به في هذه المكاشفة؟