IMLebanon

الحريري يقترب من لحظة الحقيقة: التشكيل أو أي خيار آخر

 

البطريرك الممتعض ملّ الانتظار ويتدرّج تصعيداً.. والفاتيكان مستاء

 

تسبق الأحداث والتطورات الرئيس المكلف سعد الحريري. لم يعد قادرا على تحصين موقعه بالمناورة تارة، وبالسفر غالب الأطوار. هو بات على محك الإيفاء بما قطعه من وعد على رئيس مجلس النواب نبيه بري، أي تقديم تصور كامل وواضح للصيغة الحكومية العتيدة، على أن تأتي وفق رؤية علمية واضحة ومنهجية ثابتة، تحترم المناصفة والتوزيع العادل للحقائب ومنطق الأشياء، من غير استجلاب سوابق أو تكريس أعراف غير مسبوقة، كمثل القول بأنه يحق لرئيس الحكومة المكلف أن يسمّي كل الوزراء، وما على شريكه في الرسم والتفصيل والصوغ والرأي والفعل، رئيس الجمهورية، سوى التوقيع!

الصيغة المعلقة حريريا منذ كانون الأول 2020، هي نفسها التي ملّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إنتظارها، بعدما وعده الرئيس المكلف بتقديمها له قبل نحو أسبوعين. انتهت المهلة مرة ومرتين وثلاث، من غير أن يلمس البطريرك جديدا سوى تبرير تلو آخر، الأمر الذي دفعه الى إعلاء الصوت في عظة الأحد 23 أيار، وفي مساء الخميس 27 أيار، ومن ثم في لقائه أمس مع السفير السعودي وليد البخاري، على أن تعلو النبرة في عظة غد الأحد، وستستمر تتابعا الى أن يلمس البطريرك إما التشكيل، وإما الاعتذار على شاكلة ما فعل السفير مصطفى أديب، الذي خرج كما دخل لائقا.

يدرك المسؤولون جلّهم، في مقدّمهم متقدم الوسطاء راهنا، رئيس المجلس النيابي، أن الحريري صار أمام لحظة الحقيقة، فيما عدّاد الوقت يتقلّص تباعا. البعض يجزم بأن الأيام العشرة المقبلة حاسمة في مساره ومصيره:

1- فإما أن يشكّل وفق صيغة الثلاث ثمانات، وبالمنهجية التي سبق أن رسمها له رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل نحو شهرين (وكررها جبران باسيل في الجلسة النيابية)، تلك التي رفضها الحريري إعتراضا على الشكل، فيما كان المطلوب ولا يزال أن تأتي التشكيلة وفق منهجية علمية تتدرّج تباعا من الحقيبة إلى المذهب فالجهة صاحبة التسمية وأخيرا إسم الوزير.

2- وإما أن يعتذر، وهو المرجح حتى الآن، على أن يغطي خسارته بوابل من الدخان على شاكلة  الاستقالة من مجلس النواب، وفي ظنّه أنه يقلب الطاولة على العهد ويشحذ جمهوره ويعبئه، ليلاقي بذلك الانتخابات النيابية، سواء مبكرة أو في موعدها، بأعلى درجة من الاستنفار والتهيب والتهيؤ والاستعداد، تكرارا لما فعله والده عام 2000.

3- أما أن يستمر في النوم على التكليف، واحتجاز التأليف واللبنانيين سواء بسواء، فأمر لم يعد بالهيّن او المقبول. مرور الأيام العشرة التي وعد رئيس المجلس باستثمارها في سبيل إنضاج الصيغة الحكومية، يعني حكما تدحرج عدد من الإجراءات، بدءا وليس انتهاء بالدعوة الى حوار وطني في بعبدا ليس في مصلحة أحد مقاطعته، وصولا الى استقالة نواب التيار الوطني الحر من المجلس النيابي، وهي في حد ذاتها خطوة ستترك أثرها البالغ مسيحيا وفاتيكانيا. ولن يكون في استطاعة أحد من المكابرين مواجهتها، وخصوصا أولئك المستقلون الذين يتوهّمون حجما وحضورا، فيما هم كالضفدع المنفوخ.

تُدرس خطوة الاستقالة بعناية، فوق كل التشويش والهمهمة التي انبرى إليها كثر من القوى السياسية في الساعات الأخيرة. ومن المفيد أن تدرك قيادة «القوات اللبنانية» منذ الآن أن لحظة الاستقالة ستحين حكما في حال استمر الانسداد، وأنها ليست لا مناورة ناتجة من ضيق، ولا إستعطافا لجمهور مسيحي، ولا تهديدا لرئيس المجلس، ولا وعيدا لـ«حزب الله».

في أي حال، يكفي الرئيس المكلف أن يطّلع (وهو اطّلع على الأرجح) على محضر اجتماع البطريرك الماروني بالسفير السعودي أمس الجمعة، ليدرك أمرين: هو خسر بكركي كليا، وتأكّد للبطريرك أن الرياض باليقين القاطع، ليست في وارد ترميم العلاقة مع الحريري أو حتى فتح لو نافذة صغيرة أمامه. وهو موقف سبق للبخاري أن كرره مرات كثيرة، وآخرها قبل أيام في لقائه بالنائب فيصل كرامي، ليعود ويؤكد عليه في اجتماع بكركي.

ومن المفيد في هذا السياق، أن يدرك الرئيس المكلف أن الفاتيكان مستاء من أمور عدة، بدءا من الهجوم على رئيس الجمهورية، الموقع المسيحي الأول في الشرق، لحظات بعد خروجه من لقاء البابا فرنسيس، مرورا بالاستشهاد به (وبالبطريرك) في كلمته في الجلسة النيابية الأخيرة، وهو استشهاد رآه الفاتيكان في غير محله لا شكلا ولا مضمونا، وانتهاء بالتقرير الذي بات بين يدي أمانة سره بناء على طلب البابا، وفيه من المعطيات عن عملية الانسداد الحكومي ونوازعها ما لم يعد في إمكان الفاتيكان غضّ الطرف عنها.