Site icon IMLebanon

سعد الحريري.. لبنان أولاً

هناك نوعان من الزعامات السياسية، نوع يجاري أهواء جمهوره وينقاد خلف غرائزهم فيحقق حضوراً شعبوياً ملفتاً لكنه يصطدم بجدار الواقع، الذي غالباً ما يقهر الأحلام الوردية، ويتسبب في حالة من الاحباط تحد حتى من تطلعات متواضعة كانت تراود أفكاره، ونوع آخر رؤيوي يستشرف المستقبل من خلال قراءة موضوعية للواقع وميزان القوى فيجترح لشعبه سبلاً تنقلهم إلى غد أفضل وفق ما هو ممكن، بغض النظر عن مرارة هذه السبل والعبء السياسي الذي قد يلقي بثقله على جمهوره والذي قد لا يستسيغ مثل هذه السبل والسياسات.

والرئيس سعد رفيق الحريري هو وريث نهج اعتنق الخيار الرؤيوي والوطني الذي يزن حسابات المرحلة بموضوعية تقدم الممكن على المرتجى. فالرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي طالما آمن بأن لا أحد أكبر من وطنه، تجرّع كأس المرارة أكثر من مرة في سبيل الحفاظ على لبنان ووحدة اللبنانيين، وأشهرها حين اضطر للموافقة على التمديد للرئيس إميل لحود في رئاسة الجمهورية بعد أن سبق وأعلن موقفاً مخالفاً.

الرئيس الشهيد رفيق الحريري اضطر حينذاك الى خياره لعدم توازن القوى على الارض، وخشية أن يجر جمهوره والبلد في صراع هما بغنى عنه. أما الرئيس سعد الحريري فدوافعه تتخطى دوافع الرئيس الشهيد لتشمل إبعاد شبح الانقسامات الداخلية التي بدأت تطفو بصورة جلية داخل المجتمع اللبناني والتي باتت تشكل وضعاً مماثلاً لتلك الأجواء التي كانت سائدة عشية الحرب الأهلية، حتى أن البعض قد ذهب الى حد المجاهرة باستحالة العيش المشترك الذي طالما تغنى به لبنان، فضلاً عن التدهور الاقتصادي، وتعطيل المؤسسات الدستورية، واشتعال حريق مدمر على الحدود الشرقية والشمالية، واستهداف الارهاب لوطننا كلما أتيحت له الفرصة.

هذه هي الحياة السياسية في لبنان بممارساتها ومفارقاتها، بخيرها وشرها، بوعيها وجهلها، وخاصة عندما تنحو نحو التشكيك والتشهير، إلا ان قافلة الحياة تستمر، والدور الريادي والاستشرافي للرئيس سعد الحريري يبقى ضرورة وطنية ملحة.

وإذا كان البعض يزعم ان عدم ممانعته بتسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة تضحية منه، إلا ان مبادرة الرئيس الحريري الأخيرة هي التضحية الكبرى، ليس من أجل أطراف أو أحزاب بل من أجل لبنان وخلاصه كما سبق له وقدم التضحية الأكبر حين ارتضى اقامة حوار في أصعب الظروف التي كان يمر بها، على قاعدة ربط نزاع، مع فريق يصدّر المقاتلين اللبنانيين إلى أكثر من دولة عربية، ضارباً عرض الحائط بقرار مجلس الوزراء وشركائه في الوطن اعتماد سياسة النأي بالنفس.

وأياً تكن نتيجة هذا الخيار المخاطرة، إلا أنها تبقى محاولة صادقة لإحياء دولة المؤسسات، والخروج بلبنان من نفق الفراغ والانتحار السياسي والاقتصادي. فالرجل لا تزعجه خسارته على المستوى الشخصي طالما أن قضيته الوطنية تسلك طريقها نحو النجاح.

وأكثر ما يثير الاستهجان بل الاستفزاز محاولة البعض تقزيم هذه الخطوة الجريئة وحصرها بخانة سعي الرئيس سعد الحريري للعودة إلى رئاسة الحكومة، متغافلين عن أن دعمه لأي مرشح يفضي الى تكليفه برئاسة الحكومة لأنه يترأس أكبر كتلة برلمانية، كما أن رؤساء الحكومة الذين كلفوا بهذا الموقع بعده هو الذي رشحهم ودعمهم، باستثناء حكومة الانقلاب التي جانبها النجاح.

إننا ندعو الجميع إلى الالتفاف حول الرئيس سعد الحريري، لأن خصوم هذا التيار كثر، ولعلهم وجدوا في هذا الموسم الفرصة المناسبة للنيل من وحدة الكتلة الشعبية المتعاظمة لهذا التيار ورئيسه، فبثوا سمومهم وشحذوا هممهم والسنتهم وأقلامهم في محاولة مكشوفة لشرذمة التيار والنيل من شعبية رئيسه. فالرئيس سعد الحريري اتخذ قراراً بانقاذ الوطن، لأن في علم السياسة لا توجد عداوات دائمة بل مصالح وطنية دائمة. أدعو هؤلاء جميعاً إلى الاعتصام بحبل المصلحة الوطنية العليا. فمن غير المنصف أن يقال له كما قال قوم موسى عليه السلام له: «إنا لن ندخُلها أبداً ما داموا فيها فاذهبْ أنت وربُك فقاتِلا إنّا ها هُنا قاعِدُون»

(❊) نائب سابق