من حق سعد الحريري، او أي سياسي آخر، يملك حيثية شعبية ونيابية، ان يأخذ الموقف الذي يراه مناسباً له على الصعيد الشخصي، او مناسباً لحزبه او تياره، او مناسباً لما يعتقد انه يصبّ في المصلحة العامة، ولكن هذا الحق يسقط عندما يكون السياسي جزءاً من تجمّع قوى يجمعها نضال مشترك، وتضحيات مشتركة، ومعاناة مشتركة، وثوابت مشتركة، تعمّدت بالدم من جهة، وبالتعاهد على البقاء يداً واحدة في مسيرة وطنية من جهة ثانية، وضعت خريطة طريقها في حشودات شعبية واجتماعات حاشدة، واصبحت ملك الجميع لا يقرر مستقبلها شخص واحد او جهة واحدة.
هناك تجمّع لقوى سياسية، يدعى تجمّع 14 آذار، يضم احزاباً وتيارات وشخصيات، وامانة عامّة تنطق باسمه وبمواقفه، وهذا التجمّع ليس سجناً او معتقلاً او مدرسة داخلية او دعوة مقفلة، فالدخول الى هذا التجمع مفتوح امام كلّ من يؤمن بثوابته، والخروج ايضاً مفتوح امام من يريد ان يغرّد خارجه، ويأخذ المواقف التي يريد، ولكنه لا يستطيع ان يبقى في التجمّع و”يغنّي موّاله” بمعزل عن الاخرين، او يفاجئهم بمواقف غير متفق عليها، وتسيء الى التجمّع والى جماهير هذا التجمّع، وشخصياته وقياداته، ولذلك كان على سعد الحريري ان يسلك طريقاً من اثنتين، امّا ان يعلن انسحاب تياره من تجمّع قوى 14 آذار، ويذهب في طريق اخرى مختلفة، وامّا ان يلتزم بأدبية التحالف والعهود بتأبيد العلاقة القائمة على ثوابت انتفاضة الارز مع جميع مكوّنات 14 اذار وخصوصاً مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رأس الحربة في هذا التجمّع ومرشّحه الى منصب الرئاسة الاولى، والذي قلت عنه يوماً في احدى كلماتك ان التحالف معه لا يتزحزح ولا ينفك.
قد يعرف رئيس تيار المستقبل أحد الاركان الأساسية في انتفاضة 14 اذار، وقد لا يعرف، مدى الاضرار الجانبية التي انتجتها طريقة اجتماعه بالنائب سليمان فرنجية والتكتم على هذا الاجتماع والمحاولات الصبيانية للتعتيم عليه، وكأنه تهريبة ممنوعات يخشى من القبض عليها، امّا في المضمون، فان البحث بمرشح بديل عن سمير جعجع، حتى ولو كان من ضمن شخصيات 14 آذار، بعيداً من معرفة وموافقة جعجع، هو موقف مستغرب ومستهجن وبعيد عن اللياقة ومعنى التحالف، فكيف اذا كان اللقاء مع مرشح خصم وعضو اساسي في تحالف 8 آذار وثوابته السياسية المتناقضة تماماً مع ثوابت 14 آذار، بمعزل عن شخصية النائب فرنجية، وهذا قرار وتصرّف لم يسبّبا صدمة وذهولاً داخل تيار المستقبل، شعبية ونواباً ومسؤولين فحسب، بل ادّيا عملياً الى فكفكة تحالف 14 آذار بمعزل عن استكمال ترشيح النائب فرنجية ودعمه، او التراجع عنهما لمصلحة مرشح آخر، بالاضافة الى ان ترشيح فرنجية الذي قام على تحالف رباعي اسلامي للمرة الثانية، خلق ردة فعل غاضبة لدى المسيحيين ورفضاً لوضعهم دائماً امام غلبة العدد، وتقديم مصالحهم على مصلحة المسيحيين، وهذا الأمر هو الأبشع على الاطلاق الذي اعتقدنا اننا قد تجاوزناه.
اثناء التفتيش عن رئيس جديد يتسلّم قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل، في العام 1988، وضع “المندوب السامي” الاميركي بالاصالة عن نفسه وبالانابة عن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، المسيحيين امام الخيار الشهير “مخايل الضاهر او الفوضى». هل تتكرر الرواية اليوم مع النائب سليمان فرنجية اوغيره، ويوضع المسيحيون اليوم امام خيار جديد “فلان او التهميش والاقصاء”؟؟
مشكلة النائب سليمان فرنجية مع مسيحيي 14 آذار، ليست مشكلة شخصية ابداً، انها مشكلة خيارات وثوابت سياسية، ولكن اذا حملت الاكثرية النيابية سليمان فرنجية الى سدّة الرئاسة الاولى، سيكون المسيحييون اول المهنئين، وفي مقدمهم الدكتور سمير جعجع، وهذا ليس سراً وسبق واعلنه.
المهم بالنسبة الى المسيحيين ان تنتصر الديموقراطية والحرية واحترام الدستور، على اعداء الحرية والديموقراطية والدستور، الذين عطّلوا الحياة السياسية، والنظام البرلماني الديموقراطي، وقصموا ظهر الدولة طول 25 سنة مضت.