Site icon IMLebanon

سعد رفيق الحريري  

في 27 أيلول الماضي كتبنا في هذا الهامش مقالة حملت عنوان «لو كنت مكان الرئيس سعد الحريري»، قلنا فيها: «لو كنتُ مكان الرئيس سعد الحريري لذهبتُ حتى النهاية وألقيتُ عن كاهلي عبء تحميل فريقي منفرداً مسؤوليّة التعطيل، ولضربتُ هذه الطينة بتلك العجينة وصعدتُ إلى «الرابية» أو إلى «معراب» وألقيتُ كرة النّار إلى حيث مقر التعطيل الرسمي لانتخاب رئيس في «عين التينة»، ولأعلنتُ أن لا مانع لديّ من وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا»، كما قلنا: «ولو كنتُ مكان الرئيس سعد الحريري لأجبتُ الذين يهوّلون بتأثّر شعبيّته في حال موافقته على انتخاب ميشال عون رئيساً، لو كنتُ مكانه لأجبتُ «أنا الغريق فما خوفي من البللِ»، بل أكثر من ذلك لأجبتهم انّ تقديم التضحيات سياسة لطالما انتهجتُها وكان أقساها ما صرحتُ به في لاهاي ومن على باب المحكمة الدوليّة!!»، ما فعله الرئيس سعد الحريري بالأمس هو عين العقل، العقل السياسي، في لحظة بلغ فيها المأزق اللبناني ذروته وبتنا على حافة انهيار الدولة والوطن.

وفي 29 أيلول الماضي كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «ضدّ الرئيس سعد الحريري» وقلنا: «ثمّة خفّة لدى بعض المسؤولين المستقبليّين في التعاطي مع الجهود التي يبذلها رئيسهم، وفي اللحظة التي ينبغي أن تكون الصفوف مرصوصة خلف الرجل، يبدو وكأنّ البعض منهم «فاتح» على حسابه «دكّانة» مواقف»، وللأسف برزت هذه «الدكاكين» بالأمس مع إعلان بعض من كتلة المستقبل أنّها لن تصوّت للعماد ميشال عون، وكلّ هؤلاء لم يكونوا اليوم في مواقعهم لولا دماء الرئيس رفيق الحريري ولولا تقديم الرئيس سعد الحريري ودعمه لهم حتى النهاية!!

يوم أقدم الرئيس سعد الحريري على ترشيح النائب سليمان فرنجيّة رفعنا الصوت عالياً برفض وصوله إلى قصر بعبدا لارتباطه العضوي الوثيق بالنظام السوري، وكان الأمر بالنسبة لنا هو جلوس بشار الأسد على كرسي رئاسة الجمهوريّة، وعندما تمّت المصالحة الكبرى في معراب بين القوات اللبنانيّة والتيار الوطني وأعلن الدكتور سمير جعجع ترشيحه للعماد ميشال عون رحبّنا بشدة بالمصالحة واعتبرناها إنجاز العام 2016 ومع هذا اعترضنا على ترشيح الجنرال ميشال عون، أمّا وقد بلغت الأمور في البلاد حدّ الانهيار وتحلّل الدولة، ولأنّ الاحتكام للواقعيّة السياسيّة هو الحلّ لا الاحتكام إلى رغباتنا الشخصيّة ـ وللمناسبة لا أحبّذ شخصيّاً وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا إلا بمواثيق مغلّظة وواضحة ـ فيا ليت الأصوات الفاقعة على مواقع التواصل الإجتماعي التي تشنّ حروباً ضروس بلغت حدّ الإهانة للرئيس سعد الحريري هي جزء من الرغبة الشخصيّة لكل واحد، وهذا ما يسمّى اصطلاحاً «غوغاء العامّة»، ومن المؤسف أنّ هناك مستفيدين «شغلتهم وعملتهم» التحريض على الرئيس الحريري لمصلحة آخرين، ومن المؤسف أن الشعبويّة لا توصل إلى مكان، بل تقود إلى هاوية الغرائز المنفلتة وإبقاء الشارع على وشك الاشتعال!!

الرئيس سعد الحريري ابن الرئيس رفيق الحريري رجل التسويات ورجل المصالحات الكبرى، رجل الطائف، الرّجل الذي تحمل ما لا يتحمل من نظام الاحتلال السوري لحماية لبنان، سار بين النّقط، حُمّل ما لا يُطاق من بشّار الأسد ورجليْه إميل لحود وجميل السيّد، هُدّد علناً بالسجن أو الهجرة أو القتل، ومع هذا لم يتخلّ عن دوره لإنقاذ لبنان ودفع حياته ثمناً لهذا، وسعدُ هذا ابن أبيه وسرّ أبيه، وللمتشدقين بأخبار أزمته الماليّة التي لم يخجل منها بالأمس سعد في خطابه نقول لهؤلاء «دولٌ متعثّرة وشركات عملاقة تكاد تكون مفلسة، فأين المشكلة؟ أزمة وتمرّ، وللمناسبة ترشيح العماد ميشال عون هو فرصة ذهبيّة للرئيس الحريري ليكتشف معدن كثير من المحيطين به من المعاونين والمسؤولين ومن جمهور التيار، وما أسرع ما سيعرف ملمس الذهب من التنك، وما أكثر التنك!!

لست من محبّذي وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، ولكن وبنفس مستوى الحديث عن العقلانيّة السياسيّة التي ألقى الرئيس الحريري خطابه بها بالأمس من بيت الوسط، نقول «نحن في هذا الهامش مع الرئيس سعد الحريري، ومع ترشيحه للعماد ميشال عون إنقاذا للبلاد، ولنا في الأسبوع المقبل سلسلة مقالات في إطار هذا الترشيح ما له وما عليه، وأنّنا سنخوض مع الرئيس الحريري وحليفه الدكتور سمير جعجع معركة إيصال العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، وبالمناسبة أيضاً لن نغض النظر عمّن لا يجد سوى الإساءة والإهانة يواجه فيها خيار سياسي، البلاد في أزمة، ولم يتحرّك مستنقعها السياسي إلا منذ عاد الرئيس سعد الحريري فحرّك بعودته لبنان السياسي كلّه، فهل هذا رجلٌ «ينتحر سياسياً»!!

حان الوقت ليكفّ هؤلاء ألسنتهم عن سعد رفيق الحريري، مع علمنا أنّ ما يتعرّض له الابن هو نقطة في بحر ما تعرّض له الأبُ الرئيس رفيق الحريري، وسعد رفيق الحريري سيّد العارفين بطبيعة الناس وتقلباتها وخياناتها، لقد شهد كثيرون يفعلون هذا بأبيه، وبالتأكيد علّمه أبوه أن الترفّع عن أمثال هؤلاء وعدم الردّ عليهم هو أفضل ردّ.

حمى الله في هذه الأيام العصيبة الرئيس سعد الحريري، وحمى الدكتور سمير جعجع، وحمى العماد ميشال عون فإنّ أي استهداف له في هذه المرحلة سيدخل البلد في جحيم لا نعرف نهايته!