IMLebanon

سعد بدّو عبّوطة!

ما كشفته الانتخابات البلدية يتجاوز الظاهر في صناديق الاقتراع. الأمر ليس اعتراضاً موضعياً على حالة هنا أو هناك. بل هو أشبه بتمرين أوّلي على انتفاضة، ممكنة، لو كانت هناك قوى عاقلة وفاعلة للمعارضين، إذ إن تجربة هؤلاء في الانتخابات لم تكن أفضل حالاً من تجربة أهل السلطة.

ومن يعشق التنظيرات وكثرة التحليلات، يمكن أن يتحدث لستة أعوام إضافية، من دون أن يجيب عن السؤال الأهم: لماذا اختار الجمهور التفاعل مع شباب قدموا أنفسهم على أنهم خارج دائرة السياسيين؟

طبعاً، من المفيد أن ننصح جماعة المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية المموّلة من حكومات الغرب وأدواته، بأن لا يبالغوا في تقدير موقعهم. صحيح أن «بيروت مدينتي» كانت خالية من الدسم السياسي، لكن التصويت لها لم يكن غير سياسي، كما هي الحال في بقية لبنان، من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال، مروراً بجبل لبنان، خصوصاً، حيث «يرتاح» وليد جنبلاط الى كون خصومه داخل «القبيلة» لم يبلغوا مرحلة الانقلاب بعد. لكن، تبقى النتيجة الأقسى تلك التي أصابت آل الحريري!

من الآن فصاعداً، وحتى إشعار آخر، ومهما كانت التقديرات متباعدة حول مواقف الوزير أشرف ريفي السياسية، فإنه جاهل ومجنون من يتجاهل أن الرجل يمكنه ادّعاء النطق باسم شريحة شعبية وازنة جداً في الشمال، وهي شريحة لها من يتماثل معها في بقية لبنان. ومن دون الحاجة الى معلومات أمنية أو استطلاعات رأي، يمكن ريفي، اليوم، مدّ يده الى عكار حيث ينتظره معين المرعبي وخالد الضاهر، والى البقاعين الاوسط والغربي، والى قلب بيروت وصيدا وإقليم الخروب. ويمكنه، بقليل من الجهد، التعاون مع شخصيات محلية، ترى في خطابه ما يناسبها، وأن يصل الى مرحلة الادعاء أنه قادر على الفوز بحصة كبيرة من تركة آل الحريري السياسية. وهو، هنا، قادر ليس فقط على جذب مناصرين إضافيين، بل ويمكنه أن يفتح باب الحوار مع خصومهم المحليين، خصوصاً في الشمال، ويعقد معهم تفاهمات أهلية قابلة للعيش أيضاً.

وهو نجح، سواء قصد ذلك أم فعلها على طريقة رمية حجر، في جعل ورثة آل الحريري مادياً يحتاجون اليه حكماً، لتبييض أموالهم أصواتاً في صناديق الاقتراع. وكل كلام آخر، عن الغرائز والتطرف والكلام المذهبي، لا معنى له في سوق الصرف السياسي. أشرف ريفي صار قطباً له قاعدته الشعبية الفعلية التي تمكّنه من قول لا قوية، في حال قرر من يعتقدون أن الأمر بأيديهم أن يتجاهلوه.

طبعاً، هناك مراجعات وقراءات كثيرة. لكن الأهم هو ما يخص سعد الحريري، شخصياً وبما يمثل، محلياً وإقليمياً. وإذا كان من الصعب مخاطبته بهدوء، أو حتى نصحه، فهذا لا يعني أنه سيكون بخير. لقد تصرف الرجل بكثير من الخفة حيال ما توافر له خلال عشر سنوات من دعم محلي وإقليمي ودولي. ولم ينته الامر بانهيار الامبراطورية المالية التي بناها والده، بل سرّع في تفكك الامبراطورية الشعبية والسياسية التي جعلته زعيماً أول للسنّة في لبنان، حتى بات، اليوم، يمثل ثلث الناخبين في صيدا، وأقل من نصف الناخبين في الاقليم والبقاع وبيروت، وأقل من ربعهم في الشمال. وكل كلام آخر يزينه له المساعدون لن ينفع في شيء، علماً بأن في إمكانه استغلال ما حصل للاستغناء عن خدمات العشرات من المحيطين به، ممن كان يجب عليه إبعادهم قبل سنوات طويلة.

صحيح أن المعطيات القائمة حالياً لا تسمح بالحديث عن الانقلاب الكبير، لكنها تسمح بالحديث عن اهتزاز أصابه، وهو الاكثر شدة بين أقرانه السياسيين. وإذا اعتقد أن «الامر الملكي السامي» سينفعه كثيراً، فمن الأفضل له أن يبحث عن طريقة لصرفه في مواجهة ضائقته المالية، لأنه لن ينفعه في مواجهة ضائقته الشعبية.

لم يكن هناك أكثر صراحة من مصطفى علوش، عندما قال إن القوى البارزة في لبنان صارت كلها ضد اعتماد النسبية في أي قانون انتخابي. استغربت المذيعة، فشرح لها مختصراً: لقد فاز خصومهم بأقل بقليل من نصف الاصوات. يعني سيخسرون الكثير من المقاعد النيابية.

التفكير التلقائي لعلوش سيكون، فعلياً، المضمر في تفكير قيادات القوى البارزة في البلاد، وخصوصاً تيار «المستقبل» إزاء كيفية التعامل مع ملف الانتخابات النيابية المبكرة. وإذا فكّر الخاسرون في أن شراء بعض الوقت من شأنه ترميم ما هدم، فسنراهم مع نكسات إضافية. ولأننا تعودنا العشق الدائم بين سياسيينا وبين حالة الإنكار للحقائق من حولهم، فليس غريباً أن نرى عناداً إضافياً يقود البلد الى مزيد من التشظّي.

سعد الحريري اليوم في وضع صعب للغاية، الى حدود جعلت خصومه التقليديين يتعاطفون معه، وصولاً إلى حدّ القول: سعد بدّو عبّوطة!