مجدداً، إشكال بسبب مصلى السعديات ليل الثلاثاء. فهل يكون الأخير؟ الإشكالات السابقة بين المقيمين من عرب العشائر ومناصرين لحزب الله، كانت تختتم بمصالحات. لكن الإشكال الأخير لا يوحي بذلك. ثمة طوابير خامسة تسعى إلى الاصطياد على ساحل الشوف حتى قطع طريق الجنوب
لا يسمح أوتوستراد الجنوب باكتشاف السعديات عن قرب. الطريق السريع يقطع المنطقة التابعة عقارياً لبلدة الدبية (ساحل الشوف) إلى شطر ساحلي وشطر علوي. يحجب الجسر مدخلها الرئيسي الواقع تحته. في الغالب، تنحصر السعديات في الذاكرة بقصر الرئيس كميل شمعون المحاذي للشاطئ ومركز للجيش اللبناني وسط حقول واسعة. في السنوات الأخيرة، طرأ مصلى السعديات وسرايا المقاومة وأعداؤهما. طارئان يكادان يبددان هدوء التلة فوق البحر اللازوردي.
السعديات ليست بلدة، بل تجمّع حديث نشأ على نحو تدريجي من عشائر العرب التي استقرت في السهول حيث كانت تعمل قبل أن تحصل على الجنسية اللبنانية وتنتقل من العيش في الخيم إلى تشييد منازل وأبنية صعوداً نحو الدبية، حتى تحولت الأراضي الجرداء إلى مدينة صغيرة.
عند المدخل الرئيسي لناحية الطريق البحرية بجوار مركز الجيش، موقف صغير لسيارات الأجرة. ألواح الزنك التي تحمي من الشمس والمطر، خط عليها حديثاً: «يا عمر… يا معاوية». بجواره، «إكسبرس أبو صخر» أو كشك لبيع القهوة والنراجيل يملكه محمد الأسعد نجل مختار عرب السعديات، رفعت الأسعد، المحسوب على تيار المستقبل ويعمل في الوقت ذاته حارساً لدى مفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو. الكشك استحدث بوساطة من نائب المنطقة محمد الحجار. على بعد أمتار، المستديرة الرئيسية للتجمع وحاجز مستحدث للجيش. حديثاً، طلي الحائط باللون الأخضر الذي كتب فوقه بالأبيض: «لا إله إلا الله. أهلاً بكم في السعديات». اللون الأخضر كان أسود في البداية. لكن البلدات المسيحية المحيطة، ولا سيما الدبية والدامور، اعترضت لكونه يتشبه براية «القاعدة».
هدوء مبالغ فيه ساد السعديات أمس بعد ساعات على انتهاء الإشكال الذي وقع بين شبان من العشائر تقدمهم «أبو صخر»، وآخرين من العشائر أيضاً مناصرين لسرايا المقاومة. إشكال أمس شكل ذروة احتقان الفترة الأخيرة بسبب مصلى افتتحه حزب الله قبل خمسة أشهر في شقة داخل مبنى سكني. أثار المصلى حساسية البعض، ليس لدوافع مذهبية فحسب، بل ضد استخدامه من قبل حزب الله لتعزيز حضوره في المنطقة. بدأ الإشكال قبيل بدء رمضان.
إشكال أمس شكل ذروة احتقان بسبب مصلى افتتحه حزب الله قبل خمسة أشهر
حينها، ألقى الشبان المعترضون الحجارة على المصلى والمترددين إليه. تدخل حزب الله من جهة لحماية المصلى وتيار المستقبل والجماعة الإسلامية والجوزو لدعم المعترضين من جهة أخرى. الحزب بادر قبل أقل من أسبوع إلى إقامة مأدبة إفطار على شرف العشائر لتنفيس الاحتقان. لبى المعترضون الدعوة، لكن احتقانهم ازداد.
قبيل منتصف ليل الثلاثاء، كمن «أبو صخر» وعدد من الشبان للمتوافدين إلى المصلى. رموه بقنابل مولوتوف، فأصابوا أربعة من المصلين بجروح. فما كان من عناصر السرايا إلا أن ردوا على المهاجمين، موقعين إصابات بينهم. وتبادل الطرفان إطلاق الرصاص. مصادر مواكبة للحادث أكدت لـ»الأخبار» وقوع ثلاثة قتلى وأربعة جرحى من المهاجمين. القتلى تابعون للمستقبل، فيما هناك جريحان من شحيم. لكن أين القتلى ولم جرى التستر عليهم؟ المصادر أشارت إلى اتفاق بين الأطراف المعنية على تطويق ذيول الحادث، إذ إن الأنباء المتتالية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أشاعت انطباعاً بأن مجزرة تحدث في السعديات، ما أدى إلى استنفار في عدد من المناطق بين صفوف الجماعة والمستقبل. في طرابلس، دعت هيئة علماء المسلمين إلى النزول وقطع الشوارع. وعلى طريق الناعمة – الجنوب، قطع مناصرون للجماعة والمستقبل الطريق لبعض الوقت قبل أن يفتحها الجيش مجدداً. وفي صيدا وإقليم الخروب، سجل استنفار مماثل.
المصادر تحدثت لـ»الأخبار» عن اتصالات أجراها مسؤول لجنة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا بمرجعيات أمنية في المستقبل، دعاهم إلى ضبط الشارع كي لا يقع الأسوأ. الاتصالات أثمرت انسحاباً من الشارع بعد ثلاث ساعات.
لكن الأمر لم ينته. العين على طريق الجنوب عبر ساحل الشوف لا تزال شاخصة. المجموعات المتشددة وأحمد الأسير لطالما هددت بقطع الطريق بين الجنوب وبيروت. ردود الفعل على الحادثة كشفت خطورتها واحتمالات تكرارها. في الأساس، القلوب في السعديات مليانة منذ أيلول 2012. حينها، اعترض شبان على زيارة وفد من حزب الله لتقديم العزاء بأحد وجهاء العشائر. أطلقوا النار باتجاههم، ما دفع شبان من سرايا المقاومة إلى الردّ بالمثل. بطل الهجوم أيضاً كان «أبو صخر». الاتصالات تكثفت بين قيادات الحزب التقدمي الاشتراكي والجماعة والمستقبل والجوزو وحزب الله وحركة أمل، وأثمرت مصالحة عقدت في منزل أمين السر العام في التقدمي ظافر ناصر في السعديات.