يُقال إن الصغار يكبرون، لكن الواقع أن بعض الصغار لا يكبرون، فللكبار عالمهم الذي لا يرتقي اليه إلا من كانت نفوسهم كبيرة. في الأيام الأخيرة افتقد لبنان اثنين من كباره، صباح في عالم الفن اللبناني الفولكلوري، وكان لها الفضل في نشره عبر العالم العربي وفي زرع البسمة والفرح أينما حلت، وسعيد عقل الذي عُرف بعبقريته الشعرية وولعه بلبنان حتى أنه رسم خط عداوة مع كل من أساء إلى لبنان، وحدّد معالم لا يمكن إطاحتها، وإن جرت محاولات كثيرة لذلك، لا تستهدف سعيد عقل وحده، وانما تهدف الى تغيير صورة لبنان وأخذه الى محور مختلف عن ماضيه في السياسة والفكر والعقل والفن.
عالم الكبار هذا يتسع لمن حملوا اسم لبنان الى العالم، فنانين وشعراء وادباء وسفراء، وسياسيين لم لا؟ ألم يرفع غسان تويني لواء القرار 425، وشارك شارل مالك في وضع شرعة حقوق الانسان، وحملنا مارون بغدادي الى شاشات العالم، وأمين معلوف الى كل مكتبات العالم؟ ألم يحملنا شهداء الكلمة الحرة الأموات منهم والاحياء الى كل البقاع والمنابر، وها هي مي شدياق تشهد للعالم على مقاومة العنف، وها هو مروان حماده يشهد للحقيقة أمام المحكمة الدولية؟
قد لا يعجب البعض ما كتب وقيل، لأن الجلاد والقاتل لا يفرحان لنجاة ضحيتهما، ولا يسعدان بسماع شهادة الحق. صحيح ان الشرائع العالمية والحقوق الانسانية كلها تضمن حق التعبير، وهذا ما ندافع عنه باستمرار، لكن ثمة فارقاً شاسعاً بين التعبير عن الرأي والشتيمة والإهانة، ورفض إعطاء الآخر حقه في التعبير حتى لو اختلفنا معه. لعل ما تعلمناه في مدارسنا وفي عائلاتنا لا يشبه الواقع الذي نعيشه في لبنان حاليا، اذ انزلقت البلاد الى القعر بعدما تبدلت وجوهها وأقلامها ومفاهيمها للحرية.
مهما قيل في كثيرين من ابناء لبنان، وشهدائه، في حياتهم او مماتهم، فان مَن دخلوا عالم الكبار، ومنهم صباح وسعيد عقل، انما استوطنوه ولا مجال لإبعادهم، مهما حقد الحاقدون.