قبل أن تكتمل وقائع زيارة الموفد الملكي السعودي الوزير ثامر السبهان التي تنتهي مساء اليوم، يمكن قراءة كثير من عنوانها. فاللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية شكّلَ مناسبة أطلق من خلالها ما حمله من رسائل واضحة في كلّ الاتّجاهات السياسية والاقتصادية والديبلوماسية والعسكرية بلا أيّ تشفير. فما الذي كلّف نقله؟ وكيف ستترجم؟
كان من الواضح أنّ زيارة السبهان لا تشبه ما سبقها لا في الشكل ولا في التوقيت ولا في المضمون. فقد تبلّغت دوائر القصر الجمهوري قبل ثلاثة ايام على الزيارة انّ السبهان كلّف زيارة بيروت موفداً ملكياً خاصاً لترجمة التفاهمات والإتفاقات والوعود السعودية التي قطِعت في القمة اللبنانية – السعودية التي عقدت في الرياض بين الرئيس العماد ميشال عون والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في كانون الثاني الماضي.
قبل ساعات على الزيارة استعاد رئيس الجمهورية وفريق عمله وقائعَ القمّة وما حققته من نتائج وما تمّ التوصل اليه من تفاهمات لقراءة الاستعدادات السعودية المنطقية والجدّية في ضوء ما هو متوافر من معلومات حول توجّهاتها الجديدة إزاء بيروت بعد فترة من الجمود بعيداً عن كلّ أشكال التشكيك التي تعرّضت لها لأهداف وغايات معروفة من جهة او المغالاة في توصيفها التي رغب البعض في إغراق القمّة بها عن حسنِ أو سوء نيّة ولأهداف معروفة أيضاً.
وما هي إلّا ساعات قليلة فصلت بين اجتماعات التقويم التي عقِدت مساء الأحد حتى ثبتَ انّ كلّ ما تمّ التوصل اليه في القمة اقترَب من ان يكون واقعاً او أنه بات على قاب قوسين او ادنى من ترجمته وفق خريطة طريق واضحة وصريحة حملها الموفد السعودي لتشكّل ترجمة حرفية لكلّ ما شهدته دون ان تحمل ايّ لبسٍ أو مواربة.
وعليه، فقد جاء اللقاء في القصر الجمهوري وما تخلّله ليشكّلَ رسالة في كلّ الاتجاهات الداخلية والخارجية. وأكّد مرّة أخرى أنّ بوابة العهد الجديد بين الرياض وبيروت باتت على عتبات قصر بعبدا نتيجة ما بنَته القمّة وما سبقها ورافقها وما تلاها من اتصالات من جدران الثقة بين الرئيس والملك.
فكانت اولى الرسائل التي حملها السبهان إعادة تأكيد الثقة التي أولتها الرياض للرئيس اللبناني وحجم ما بنته من رهانات على إحياء العلاقات بين الدولتين من بوابة المؤسسات الدستورية مع احترامها لبقية المؤسسات ورؤسائها وما يمكن ان تكون عليه العلاقات السعودية – اللبنانية على مختلف الصُعد الاقتصادية والاجتماعية والديبلوماسية والعسكرية.
وفي الترجمة الفعلية للرسائل الملكية كانت الأولوية لإعادة بناء ما انقطع بين العاصمتين، فكان قرار بإعادة التواصل بينهما على مستوى سفير سيكون فوق العادة بناءً لرغبةٍ ملكية، وهو تصنيف سعودي لا يطبّق إلّا في العواصم المميّزة وسيتبلغ لبنان باسمِه قريباً بالوسائل الديبلوماسية المتعارف عليها بين الدول فلا كشف السبهان هويته ولم يوجَّه اليه سؤال مشابه.
وثاني الخطوات الانفتاحية إعادة رحلات شركة الطيران السعودية بشكل مكثّف الى مطار رفيق الحريري الدولي لتواكبَ تنفيذ قرار آخر لا يقلّ اهمّية عمّا سبَقه، ألا وهو إلغاء الحظر على عودة السعوديين الى لبنان لأيّ غرضٍ أو هدف كان وتمضية عطلاتهم السياحية فيه رغم انّ ما قام به البعض منهم قد سبقَ زيارة اليوم.
وفي الخطوات التنفيذية الأخرى لقرارات القمّة دعوة خاصة لوزير الدفاع اللبناني يعقوب الصرّاف لزيارة الرياض، فوليّ ولي العهد السعودي وزير الدفاع الوطني الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الذي عاد الى الممكلة قبل ايام في انتظاره للبحث في احتياجات الجيش اللبناني والقوى العسكرية وفق جدول باحتياجات الجيش وضعته قيادته قبل تجميد الهبة العسكرية بثلاثة مليارات دولار اميركي من الأسلحة الفرنسية المتطورة وهبة المليار الرابع الإضافي الذي استفادت منه بعض المؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية بحجم اكتمال استعداداتها في حينه بحجم يقلّ عن النصف او يفيض عنه بقليل. ويقول المطّلعون على اجواء الزيارة انه لم يؤتَ على ذكر الهبة بكلمة او تعبير واحد لكنّ آلية العمل الجديدة لا تخرج عن اهدافها ومراميها التي وجدت من اجلها الهبة.
وعلى المستويات الأخرى، فقد حمل الموفد الملكي دعوةً مشابهة الى وزير الخارجية جبران باسيل لتحديد موعد لزيارة الرياض ولقاء نظيره عادل الجبير في اقرب وقت للتنسيق بين البلدين في كثير من الملفات العربية والأجنبية ودعوات أخرى الى جميع الوزراء المعنيين بالتفاهمات المشتركة بين الدولتين على كلّ المستويات الإقتصادية والسياحية والمالية والتربوية والاجتماعية التي كانت موضعَ نقاش في اوراق عمل وفدي البلدين في القمّة وما رافقها من اجتماعات متخصّصة بين الوزراء المعنيين بين البلدين مضافةً إلى ملفّ المساهة في كلفة النزوح السوري التي تكبّدها لبنان والمشاريع الإنمائية الكبرى الموعود بتمويلها من الصناديق والمؤسسات المانحة السعودية بمنح أو قروض ميسّرة وبفوائد رمزية.
وبناءً على ما تقدّم، فقد توقّفت مصادر مطلعة واكبَت التحضير لزيارة السبهان ورافقَت حركته في بيروت عند إصرار البعض على التشكيك بالزيارة ومن خلالها بالعلاقات بين البلدين والسعي الى رهنِ الخطوات المقبلة بشروط سياسية على خلفية القول «Qui Donne Ordonne « الى العودة عن رهاناتهم سواء كانت لديهم على خلفيات سلبية او ايجابية وأخذ العلم بأنه لم يبنَ بين الدولتين ايّ علاقات على شروط او بنود مخفيّة، فكلّ ما تمّ التفاهم بشأنه مرسوم بدقّة وليس سرّاً ما هو مخفيّ عن العلن الى اليوم، وأن ليس هناك ما يدعو الى إخفائه في ظلّ الإجماع اللبناني على استعادة العلاقات المميّزة بين لبنان والمملكة وعبرها مع دول الخليج العربي، وهو إجماع كان مفقوداً سابقاً وليس هناك من داع للتشكيك بوجوده اليوم.
وبناءً على ما تقدّم لا يخفي البعض انّ ما بنيَ مجدداً بين الرياض وبيروت هو على اسسٍ متنية لا يمكن التلاعب بها، وما على اللبنانيين سوى التزام ما تعهّدوا به للحفاظ على ما تحقّق كخطوة لا بدّ منها لتحقيق المزيد في الأسابيع المقبلة.